عندما تسقط دمعة يتيم في ليلٍ مبهمٍ دامس، عندما تفتش الأم عن كسرة خبزٍ، عندما يضيع الأب بعربته في سوق بحثا عن رزق، عندما تبحث عائلة الشهيد عن ضمير غائب فسيرسل لهم الله من ينقذهم ولو بعد حين.
آلامنا كثيرة وأوجاعنا تقاس بالامتار... الصمت لن يخلق لنا أملا، ترديد المآسي لبعضنا لن يضيء لنا قنديلا واحدا ولن يفتح شمعة. صحيح ان الزمن واجم ولكن بأيدينا نستطيع ان نصنع المستقبل. دعونا نفكر جيدا كيف نستطيع ان ننقذ ما يمكن انقاذه... الناس تبني آمالا علينا، اطعمناها رغيف الكلمات واشبعناها تنظيرات ولكنها تطالبنا بمشروعات عملية على الأرض يكون لها انعكاس على واقعها. التنظير وإن كان جميلا، وإن كان محقا، وإن كان يناغي الآلام فإنه لا ينفع إذا لم يترجم إلى مشروعات على الأرض في زمن ليس فيه مكان لمن لا يمتلك الاقتصاد. قل ما تشاء لن يسمعك أحد بلا أموال، بلا مشروعات اقتصادية لن ينظر إليك أحد، فالشخصية الكبيرة بلا مشروعات ومؤسسات تموت ساعة رحيلها لأنها فرد وليست مؤسسات. دعونا نختلف مع بعضنا ولكن فكروا جيدا كيف نصنع مشروعات، وكيف نؤسس ثقافة المؤسسات في المجتمع لتصبح لصالح الفقراء والمواطنين... لا ادعو إلى مؤسسات مذهبية وإنما إلى مؤسسات وطنية لا تفرق بين المواطنين، وتصب في صالح الاسلام والمجتمع والوطن. نمتلك اخماسا وزكاة وتبرعات وأهل الخير كثيرون ولكن السؤال: من سيعلق الجرس في نهاية المطاف ويكسر التابو لقول الحقيقة. لقد مرت علينا أعوام وأعوام ونحن إلى الآن لم نؤسس مؤسسة خدمية واحدة يكون لها انعكاس على معيشة الناس. مؤسسات الكلام والدعاية الشخصية كثيرة ولكن أين هي المؤسسات التي ترعى اليتامى والفقراء، وتتابع ملفات المسحوقين في المجتمع وتترافع عن قضاياهم وهمومهم وتتابع ملفاتهم، إنها معدومة...
دعونا نقترب قليلا من تجربة السيد محمدحسين فضل الله، ولست هنا في مقام الدعاية لهذا السيد فهو لا يحتاج إلى دعاية أحد فمشروعاته التي اضاءها في لبنان وفي العالم الاسلامي هي قنوات ناطقة تدلل على مدى عبقرية الرجل، فلا يمكن ان تبنى كل هذه المؤسسات التي سأقوم بالتفصيل عنها بلغة الأرقام من لا شيء... دعونا نمشي على المنهج العلمي ذاته بأن نؤسس ثقافة المؤسسات في المجتمع البحريني... بأن نبني مبرات خيرية، بأن نصنع مؤسسات بما يتلاءم مع السياق البحريني، بأن نجتمع... بأن نجلس وأن نطلب من الدولة ان تمدنا بما تستطيع كي نؤسس مؤسسات حتى لو كان العطاء اعلاميا... المهم ان نخلق مؤسسات للمواطن المسحوق... وبإمكاننا ان نعقد اجتماعا مع التجار فلربما يقبلون الفكرة. البعض يقول: لربما هذا الكاتب يحلم. اعلم ان هناك من سيرمي هذه الافكار بالحجارة... لا بأس ربما تتحول الطعنات إلى قبلات إذا رأى الناس الثمار ذات يوم.
مكثت في قراءة ما أسس له فضل الله في لبنان، ولك هذه الارقام فقد تجعلنا نراقب اداءنا. استطاعت مؤسسات السيد أن تحتضن المواطنين ومن كل الطوائف، فمؤسساته ترعى (1) 3300 يتيم ويتيمة (2) 350 معوقا (مكفوفا وأصما) (3) 14 مدرسة اكاديمية نموذجية (4) معهدا فنيا عاليا ومستشفيات (5) وتحتضن مدارسه 15500 تلميذ وطالب (6) 5 مبرّات للأيتام (7) مدرستين للمعوقين (8) دورا للعبادة والرسالة... وإليك التفاصيل:
1- مؤسسة الهادي للاعاقة السمعية والبصرية في بيروت على طريق المطار تحتضن 350 معوقا من الصم والمكفوفين وذوي الاعاقة اللغوية، وتشتمل على مدرستين متخصصتين هما: مدرسة النور للمكفوفين ومدرسة الرجاء للصم وهي تؤمّن للمعوقين التعليم الاكاديمي باللغات الثلاث العربية والفرنسية والانجليزية اضافة إلى التربية والتأهيل المهني والحرفي والرعاية الداخلية.
2- وأخيرا تم افتتاح مدرسة الاعاقة اللغوية.
3- وقام السيد أيضا ببناء مستشفى ضخم في بيروت سُمّي مستشفى بهمن وهو يتألف من أربعة عشر طابقا، أحد عشر منها علوية وثلاثة سفلية، ويمتاز بناؤه بجماله الفني المعماري اضافة إلى قدراته الاستيعابية إذ يتسع لمئتين وخمسين سريرا باقسام تخصصية ممتازة.
4- أسس مبرّات خيرية للأيتام من قبيل: (أ) مبرة الإمام زين العابدين (ع) وتحتضن 500 يتيم ويتيمة (ب) مبرة الإمام الخوئي وتحتضن 1300 يتيم (ج) مبرة الإمام علي (ع) وتحتضن 400 يتيم ويتيمة (د) مبرة السيدة خديجة (ع) وتحتضن 550 يتيم ويتيمة.
5- انشأ السيد مدارس اكاديمية تؤمن التعليم لـ 13200 تلميذ موزعين على 10 صروح منها ثانوية الإمام الجواد (ع)، ثانوية الباقر (ع)، مدرسة مبرة الخوئي، ثانوية المجتبى (ع)، مدرسة الإمام علي (ع)، ثانوية البشائر، ثانوية الكوثر، مدرسة الصادق (ع)، مدرسة الحسين (ع).
6- انشأ معهد علي الأكبر المهني والتقني والذي افتتح في العام 1995م واشتمل على 19 اختصاصا تؤهل لنيل الشهادة المتوسطة BP والبكالوريا الفنية BT والامتياز الفني TS، وهو يؤمّن التعليم لـ 575 طالبا في القسمين الداخلي والخارجي
7- كما يعمل السيد على تأسيس مركز صحي (مركز العباسية الصحي المهني الاجتماعي).
8- قام بتأسيس عدة مساجد: مسجد زينب (ع) في بعلبك، مسجد سيد الشهداء (ع) في الجنوب و8 مساجد أخرى لا يسع الوقت لذكرها.
9- أسس مركزا اسلاميا كبيرا يشتمل على مسجد وقاعة تستوعب 1500 شخص في مدرجين سفلي وعلوي وتشتمل على مسرح كبير مجهز بالوسائل التقنية الحديثة وللعلم فإن هذه الصروح يستفيد منها المواطنون من دون تفريق.
10- اضافة إلى ذلك فإن للسيد جهازه الاستثماري إذ بنى مطاعم كبرى وهي مصادر تعمل على دعم بقية المشروعات هذا اضافة إلى العطاءات الفكرية والثقافية...
والسؤال هنا: لماذا لا نعمل لخلق مؤسسات تؤهل مجتمعنا الفقير؟... الحرب اللبنانية أكلت كل شيء ولكنها لم تأكل العقول الاستراتيجية، والمجتمع اللبناني مازال يشكر السيد على هذه المشروعات لأنها لصالح الوطن كما عملت على تأسيس ثقافة الحوار والتسامح فلا تعجب عندما تجد مشروعات الرجل محترمة من قبل حتى المسيحيين. هكذا يصنع الخمس والزكاة والتبرعات والعقلية المنفتحة المستحيل. دعونا ننقد واقعنا ونراجع انفسنا
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 657 - الأربعاء 23 يونيو 2004م الموافق 05 جمادى الأولى 1425هـ