كنا على موعد كالعادة مع بداية صيف كل عام، وانتهاء امتحانات نهائي المرحلة الثانوية مع مشكلة يسحب كل طرف فيها خبزه ناحية النار علها تنضجه له وحده! فعلى رغم ادعاءات وزارة التربية بتمسكها بالقانون والشفافية ومعاملة المواطنين بسواسية ومن منطلق تكافؤ الفرص في موضوع البعثات فإنها تطلق تصريحاتها بشأن تخصيص بعثات لأولاد العاملين في وزارة التربية والتعليم كأن «على رأسهم ريشة» تميزهم عن أولاد العاملين في أي من وزارات الدولة أو المؤسسات والشركات الذين يساهمون جميعهم ليس فقط في العمل على خدمة هذا الوطن وإنما في تراكم الناتج العام للدولة بنسب مختلفة. ثم يخرج علينا نوابنا الأفاضل ويجرون النار ناحية خبزهم وعيونهم مركزة على الانتخابات المقبلة العام 2006 واستحقاقاتها، بل إنهم يطالبون ويمارسون التمييز الذي يدّعون محاربته ويدوسون على النصوص الدستورية التي يدّعون الدفاع عنها!
وقبل أن يجف الحبر الذي كُتبت به تصريحات النواب يخرج من يزايد على طلاب المدارس الخاصة حتى من دون محاولة التمعن في دراسة كنه ونوعية ودخل أولياء أمور طلبة المدارس الخاصة والذين هم في غالبيتهم من الطبقة المتوسطة المنهكة والتي حرمت بعض أسرها نفسها من سفر الإجازات وأولويات كثيرة من أجل توفير تعليم جيد ومتطور لأبنائهم، وساهموا في توفير المخصصات التي تصرفها الدولة لتوفير التعليم الأساسي حتى المرحلة الثانوية لأبنائهم.
لكننا لسنا هنا بصدد الدفاع عن طلبة المدارس الخاصة أو تبرير قرار وزارة التربية باستقطاع جزء من أموال الدولة المخصصة للطلبة المتفوقين لأبناء العاملين لديها. فالمشكلة تكمن في انعدام وجود ووضوح رؤية محددة للتنمية بما في ذلك التنمية البشرية. المشكلة تكمن في انعدام المقاييس التي تحدد من يستحق وماذا يستحق... المشكلة في أن البعض يعتقد أو يتوهم بأن مخصصات الدولة للبعثات هي مخصصات خيرية يجب صرفها للمحتاج وليس لاحتضان وتنمية المتفوقين من أبناء هذا الشعب! المشكلة تكمن في عدم وجود استراتيجية واضحة تربط بين حاجات خطط التنمية الحالية والمستقبلية للتخصصات المختلفة وبين مخرجات التعليم المتوسط والعالي. فالواقع يصفعنا وبقوة أن لا وجود لخطط تنموية ولا وجود لاستراتيجية لحصر وتحديد احتياجات هذه الخطط للموارد بما فيها الموارد البشرية، ولا وجود لربط حقيقي بين السياسة والاستراتيجية التعليمية والمعرفية وهذه الخطط.
رويدكم أيها السادة... فالمفروض أن المخصصات المالية من المال العام موجهة لاختيار العناصر والفعاليات المتميزة والمتفوقة من الطلبة والشباب واحتضانها وتنمية قدراتها العلمية والمعرفية من أجل ردم الهوة والمساهمة في إعداد قيادات وفعاليات المستقبل لتساهم وبفاعلية في عملية التنمية الشاملة والمستدامة. المفروض أن تتم مراجعة المناهج والأساليب التربوية في المدارس الحكومية للارتقاء بها وتوفير فرص متساوية لأبناء المواطنين الذين يدرس أبناؤهم فيها حتى نتمكن من تطبيق تكافؤ الفرص للمواطنين وسواسية الحقوق والواجبات. نقول ذلك لأننا ندرك جيدا أن طلاب المدارس الخاصة قد توافرت لهم فرص تعليمية ومنهجية أفضل من اخوانهم في المدارس الحكومية، إذ يصعب تطبيق مبدأ السواسية وتكافؤ الفرص عند الاختيار. وحينها وعند تكافؤ فرص المناهج والأساليب التعليمية والتربوية يمكننا أن نتحدث عن تكافؤ الفرص ووضع مقاييس علمية صحيحة تحدد الاختيار المبني على التفوق العلمي والمعرفي والقدرات البحثية والصفات الشخصية التي تحدد اساس احتضان وتنمية قيادات المستقبل وعلمائه ومتخصصيه. فمن دون كل ذلك يصبح نقاشنا وحوارنا وادّعاءنا مجرد لعب في الوقت الضائع موجه لخدمة أي شيء إلا الوطن وتنمية وإغلاق الفجوة العلمية والمعرفية بيننا وبين الدول المتقدمة
إقرأ أيضا لـ "عبدالمنعـم الشـيراوي"العدد 657 - الأربعاء 23 يونيو 2004م الموافق 05 جمادى الأولى 1425هـ