يمتلك أعضاء البرلمان كقاعدة عامة حصانة موضوعية وإجرائية أثناء ممارستهم لدورهم الرقابي والتشريعي. أما الحصانة الموضوعية لعضو البرلمان فإنها تتمثل في الحماية القانونية لأفعال وأقوال عضو البرلمان في أثناء ممارسته لعمله البرلماني، وهذه الأعمال والأقوال لا يمكن مؤاخذته عليها ليس فقط أثناء عضويته للبرلمان بل يستمر إلى ما بعد انتهاء عضويته في البرلمان. أما الحصانة الإجرائية فإنها تتمثل في عدم إمكان اتخاذ أية إجراءات قضائية ضد عضو البرلمان - إلا في حال الجرم المشهود ولكن هذه الحصانة مؤقتة من حيث إنها تنتهي بانتهاء العضوية البرلمانية. كما انه بالإمكان رفع هذه الحصانة مؤقتا بقرار من المجلس النيابي ذاته وذلك لإتاحة الفرصة أمام الجهة القضائية لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد عضو البرلمان في التهمة المحددة الموجهة إليه. وهناك قواعد قانونية تنظم الحصانة البرلمانية في اللوائح الداخلية للمجلس النيابي وفي بعض القوانين الأخرى، بشكل مفصل.
وعضو البرلمان عندما يمارس دوره الرقابي أو التشريعي لا ينطق بمفرده في التعامل مع القضايا ومع التشريعات فهو يمثل شريحة من الناخبين - أي من المجتمع - ويمثل بالتالي هذه الفئة أو تلك ويمثل مصالحها وعمليا فإن دور عضو البرلمان في تفعيل الجانب الرقابي يأتي من خلال التعامل والتفاعل مع الجمهور. فمثلا عندما يوجه النائب سؤالا إلى الوزير المختص فإن هذا السؤال لا يأتي من فراغ بل هو استجلاء الموقف من قضية أو موقف معين. أما عندما تيم تشكيل لجنة التحقيق البرلماني فإن عضوا أو أعضاء هذه اللجنة يستقون معلوماتهم من مصادر مختلفة من الأفراد الشرفاء الذين يتطوعون بملء إرادتهم لكشف حالات الفساد في إداراتهم أو وزاراتهم، وهؤلاء عندما يمارسون هذا العمل الوطني الجريء فإنهم يعرضون أنفسهم لمخاطر جمة - فهم لا يمتلكون أية حصانة لا موضوعية ولا إجرائية جراء تعاونهم البناء مع لجان التحقيق أو أعضائها وهذا ما حدث على ما يبدو لمحمد الكواري - الذي تعرض للتوقيف والسجن ليدفع هو واسرته ثمن وطنيته وإخلاصه للكشف عن الحقيقة، فهل التعاون مع لجان التحقيق يعتبر من الأعمال التي يدينها القانون؟ ولماذا لم تشمل الحصانة البرلمانية هذا الشخص؟ أنا شخصيا اعتقد أن الشخص الذي يستدعى من قبل لجنة التحقيق أو أحد أعضائها للإدلاء بشهادته أو تقديم أية معلومات تفيد التحقيق لا يمكن مساءلته من الجهات العامة أو جهة العمل، بل انه سيلام لو انه لم يتعاون مع اللجنة وأخفى الحقائق عنها، فالدستور يحظ على تعاون كل الجهات مع لجان التحقيق من جهة تقديم الوثائق والمعلومات لإنجاز العمل المنوط باللجنة، لذلك فإن ما حدث للكواري - والذي قد يحدث لغيره من المتعاونين مع لجان التحقيق - يعتبر مجافيا للعدالة والانصاف وللأعراف البرلمانية في الدول الديمقراطية.
المؤسف أن بعض الجهات استغلت ما حدث لمحمد الكواري لبث ثقافة اليأس لدى الجماهير ونشر المخاوف من احتمال تعرض المتعاونين للسجن والمساءلة والطرد من العمل لو انها تعاونت مع البرلمان ومع أعضائه وأعضاء لجان التحقيق. لذلك فإن على المثقفين ومنظمات المجتمع المدني أن تشجع وتحث على تعاون أكبر للأفراد للكشف عن حالات الفساد في البلد سواء في المؤسسات العامة أو الخاصة. كما أن المطلوب من البرلمان اقرار قانون لحماية الشهود والمتعاونين مع أعضاء البرلمان. وسنكون نحن مجموعة النواب الوطنين الديمقراطيين من أوائل من سيتقدمون باقتراح عن مثل هذا القانون ونأمل أن يساهم ذلك في تقوية الدور الرقابي للبرلمان
إقرأ أيضا لـ "يوسف زين العابدين زينل"العدد 657 - الأربعاء 23 يونيو 2004م الموافق 05 جمادى الأولى 1425هـ