يعتبر من أعظم الفنانين في حركةِ الفَنِّ السرياليةِ في القرنِ العشرين، ترك دالي في أثناء حياته انطباعا سيئا لدى الجمهور إذ وصفوه بشخص غريب الأطوار مصاب بجنون العظمة، كما دار الكثير من الجدل والخلاف عن شخصيتُه في ذلك الوقت الا أن اسمه لمع كثيرا بعد موتِه في العام 1989، وخصوصا بعد انتشار شائعة هزت سوق الفن مفادها انتشار أعداد كبيرة من لوحات دالي المزورة.
الطفل الإعجوبة
كَان سلفادور فليبي جاكينتو دالي ابنا لكاتب عدل رفيع المستوى في بلدةِ فيغورا الصغيرةِ في شمال اسبانيا. ظهرت موهبته كفنان في عُمر مبكّر إذ حضر دروسَ الرسم الأولى منذ أن كَانَ بعمر العاشرة وتعلم الفن على يد معلمه ريمون بيشوت، الرسّام الانطباعي الاسباني الشهيرِ الذي أصبح أستاذا للفن لاحقا في مدرسةِ الرسم البلديةِ. في العام 1923 حصل دالي على آلة طباعة جديدة مهداة من أبيه.
بَدأَ دالي بدِراسَة الفَنِّ في الأكاديميةِ الملكيةِ للفَنِّ في مدريد وطُرِدَ مرّتين من غير أن يؤدي الامتحانات النهائيةَ لأنه برأيه كَانَ يعتقد بأنّه أكثر كفاءَة مِن ممتحنيه.
الفَنّ السريالي
في العام 1928 ذهبَ دالي إلى باريس إذ قابل الرسامين الاسبانيين بابلو بيكاسو وجوان ميرو وأَسّس نفسه كعضو بارز في مجموعة الفنانين السرياليين إذ جمع حوله الكثير من الفنانين أمثال بريتون أندريه الذي كَانَ بمثابة مديرِ المدرسة الفنية السرياليةِ. ابتعدَ بريتون بعد عدة سنوات عن دالي متهما إياه بدعم الفاشية وحبه للذات وجشعه.
ومع العام 1929 وجد دالي أسلوبا شخصيا فنيا مميزا جعلَه مشهورا لاحقا وهو عالم العقل الباطنِ الذي نتذكره في أحلامنا. إنّ النظريةَ السرياليةَ مستندة على نظرياتِ العالم النفساني الشهير سيجموند فرويد. أصبحت لوحات دالي التي صور فيها الزرافاتِ المحترقة وَذُوبان الساعات علامة الفنان التجارية السريالية المميزة كما أن مهارته الفنية العظيمة سَمحت له بتَنفيذ لوحاته بأسلوب يقترب من الواقعية تماما. ولاعجب أن دالي كان معجبا كثيرا برسّامِ عصرِ النهضة الإيطالي رافاييل.
دالي وغالا
ربما يعتبر التقاؤه بغالا الحدثَ الأكثر أهمية في حياة دالي والحاسم لمهنتِه المستقبليةِ. كانت غالا مهاجرة روسية أكبر سنا من دالي بعشْر سَنَوات وعندما قابلَها، كَانتْ متزوّجة مِن الشاعرِ الفرنسيِ المشهورِ، بول ايلوارد. قرّرَت غالا البَقاء مَع دالي وأصبحتْ لاحقا رفيقَته وشريكته ومصدر إلهامه ونموذجا في أعمالِه الفَنّيةِ الكثيرة ومديرة لأعماله بالنسبة إليه كانت غالا كل شيء والأهم من ذلك كانت عاملا مهما في حياتِه المهنية إذ انها تعتبر مسئولة عن نجاحاته في المعارض التي أقامها في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية في الثلاثينات.
طُلّقَت غالا قانونيا مِنْ زوجِها في العام 1932 وفي العام 1934 تزوج دالي بغالا بمرسوم مدني في باريس وتزوجا فعليا في الكنيسة في العام 1958 بَعْدَ أَنْ ماتَ زوج غالا السابق في العام 1952. وعلى أية حال فقد قل ظهور الزوجان في العلن مِنْذ العام 1965 لكن غالا واصلَت إدارة شئونِ أعمالِ دالي.
معرض دالي الأول
في العام 1933 افتتح سلفادور دالي معرضه الشخصي الأول في نيويورك وبعد سنة زارَ الولايات المتّحدةَ مرة أخرى مدعوما بقرض بقيمة 500دولار أهداه له الفنان بابلو بيكاسو. ولتَجَنُّب الحرب العالمية الثانيةِ، اختارَ دالي الولايات المتّحدة كمقره الدائم في العام 1940 إذ افتتح سلسلة معارضِ مدهشةِ، من بينها المعرض الاستعادي بمتحفِ الفَنِّ الحديثِ في نيويورك.
بالإضافة إلى عدد مِن الصورِ العظيمةِ، جذب دالي انتباه أجهزةِ الإعلام الأميركية كفنان سبريالي جنى الكثير من الأموال حتى أن آندريه بريتون أطلق عليه لقب Aveda Dollars أي طمّاع الدولاراتِ.
أصبحَ دالي نجما لامعا في المجتمع الأميركيِ الراقي إذ منحه الكثير من المشاهير عمولة لرسم بورتريهات لهم مثل جاك وارنر أَو هيلينا روبنشتاين وتحولت لوحاته الى علامة تجارية معروفة. بالإضافة إلى الرسم، واصل دالي عمل نشاطات أخرى إذ صمم الكثير من الملابس والمجوهرات لكوكو شانيل Coco Chanel وساهم في إخراج أفلام مَع ألفريد هيتشوك.
الفترة الكلاسيكية بعد الحرب العالمية الثانية
في العام 1948 عاد دالي وغالا إلى أوروبا إذ أمضوا غالبية وقتِهم في التنقل بين سكنِهم في لليغات باسبانيا أَو في باريس بفرنسا أَو في نيويورك. تطورت اهتمامات دالي لاحقا بالعلوم والدين والتأريخِ حتى أنه دمج في لوحاته الكثير من العناصر العلمية التي أخذها من المجلاتِ العلمية. كما كان دالي يعتبر أعمال الفنانين الكلاسيكيين العظماء مثل رافاييل و فالسكويز والفرنسي أنغريه مصدرا آخر للإلهامِ. وعندما سأل دالي عن السبب الذي دعاه إلى تغيير أسلوبه الفني لاحقا صرح قائلا: «لِكي يَكُونَ المرء فنانا سرياليا إلى الأبد يجب أن يمضي حياتِه يرسم لا شيء عدا رسم الأنوف والعيون».
في العام 1958 بَدأ الفنان برسم سلسلته الجديدة مِن اللوحات التاريخِية الكبيرة إذ كان يرسم في كل عام لوحة تذكارية واحدة أثناء شهورِ الصيف في لليغات Lligat. ربما تعتبر لوحة اكتشاف أميركا من قبل كريستوفر كولمبس The Discovery of America by Cristopher Columbus اللوحة الأكثر شهْرَة لدقتها وجمالها وهي معروضة حاليا في متحفِ دالي في سانت بيترسبيرغ St. Petersburg في فلوريدا. إن أعمال الفَنّان التي أنتجت في الفترة اللاحقة تجمع بين التقنيات الرائعة والدقيقة التي استعمل فيها دالي خياله الواسع اللامحدود.
موته في متحفِه الخاص
يعتبر سلفادور دالي الفنان الوحيد الشهير الذي كَانَ يمتلك متحفين كرّسا بشكل خاص إلى عرض أعمالِه التي أنتجها طوال فترة حياته.
متحف دالي في سانت بتسبيرغ St Petersburg في فلوريدا / الولايات المتّحدة الأميركية.
أسس هذا المتحفِ الفَنّيِ في العام 1971 مِن قِبل جامعِ أعمال دالي أي. رينولدز مورس وزوجته إلينور. عرضت المجموعة الأولى في مَبْنى مجاور لبيتِهم في كليفلاند / أوهايو العام 1982. ثم انتقل المتحف إلى سانت بيتسبيرغ St Petersburg في فلوريدا إذ احتوى على 95 لوحة زيتية من ضمنها 6 لوحات تاريخية لدالي مِنْ بين لوحاته الـ 18 التاريخية الكبيرة.
متحف ومسرح دالي في فيغوريه Figueres، اسبانيا
كان هذا المتحف المسرح البلدي السابق لمدينة فيوغريه الاسبانية الذي أقام فيه سلفادور دالي معرضه الرسمي الأول في العام 1918 عندما كان في سن الرابعة عشرة.
في العام 1970 كرس دالي جهوده لتحويل المسرح البلدي الى متحف ومعرض للوحات. وفي العام 1974 افتتح متحف دالي The Theatro MuseoDali .
في العام 1980 أجبر دالي على اعتزال الفن نظرا إلى إصابته في حادث سير سبب له رعشة وضعفا في يديه وأصبح غير قادر على حمل الفرشاة بيديه. لقد تركت هذه الحادثة أثرا كبيرا في نفسه كونه لن يستطيع ممارسة هواياته ومهنته التي يعشقها كثيرا، كما أن موت غالا العام 1982 خلف في نفسه أثرا مؤلما.
بَعْدَ موت غالا انتقلَ دالي إلى قلعة بابول التي اشتراها وأثثها خصيصا لغالا. وفي العام 1984 اندلع حريق في منزله عندما كان نائما في سريرهِ وعَانى من حروق شديدة. بعدها بسنتين، اضطر إلى إجراء عملية جراحية لضبط النبض.
وفي نهايةِ حياتِه، عاش دالي في برجِ متحفِه الخاصِ إذ ماتَ في 23يناير/كانون الثاني 1989 بسبب إخفاق في القلب.
في العام 1949 نشرت أخته آنا ماريا كتاب As Seen By his Sister حول أَخيها دالي الذي وصفت فيه مرحلة شبابه بالطبيعية والسعيدة جدا. بدا دالي غاضبا وشعر بالإهانة من كتاب أخته حتى أنه رسم لها لوحة معبرة كانتقام منه.
وفي مقابلة مع مجلة إخبارية في يوليو/تموز العام 2000، وصفه سكرتيره الخاص لمدة طويلة روبرت ديسكارنيه بالشخص الطبيعي.
صور دالي المطبوعة
أنتج دالي صوره المطبوعة باستخدام تقنياتِ مختلفةِ غالبيتها من النقش، كما استعمل تقنيات الحفر والنقوش الخشبية والطباعة الحجرية ووسائل أخرى متنوعة. أما أعماله التصويرية فقد نشرت إما على هيئة أوراق فردية أَو كسلسلة كاملة أَو على هيئة مجموعة وثائق أَو كمجموعة رسومات في كتب محدودة الطبعات.
لقد تم جمع الكثير من المعلومات عن لوحات دالي المطبوعة وأعماله الأخرى لأكثر من أربعين سنة وذلك بموافقة منه بواسطة مدير الأرشيف لأعمال دالي بنيويورك، ألفريد فيلد. في العام 1994 نَشرَ ألفريد الدليل الرسمي للأعمالِ الفنية لسلفادور دالي official Catalogue of the Graphic works of Salvador Dali.
يتضمن الدليل قائمة لـ 1700 لوحة تصويرية أصلية، إذ قسمهم ألبرت فيلد الى مطبوعات أصلية ومطبوعات تعاونية ويقصد بالمطبوعات الأصلية تلك المرسومة من قبل دالي نفسه أما المطبوعات التعاونية فهي اللوحات التي أشرف دالي عليها وصدقها.
تزييف لوحات دالي
حتى العام 1980 كانت مطبوعات دالي الأصلية تباع بشكل جيد في الأسواق ولكن عندما تقاعد الفنان نفدت اللوحات الجديدة من السوق ما أدى إلى انتشار اللوحات المزيفة. في العام 1992 نشر لي كاتيرال كتابه The Great Dali Fraud & Other Deceptions الذي اعتقل الكثير من الناشرين والتجار والفنانين على خلفيته لإدانتهم بتهمة التزوير وكان من ضمن هؤلاء سكرتير دالي الشخصي.
ظهرت لوحات دالي المزيفة في عدة أشكال:
- لوحت لصور جديدة لم يرسمها الفنان من قبل .
- لوحات ظهرت بعد أن باع دالي اللوحات والرسومات الأصلية منها.
- لوحات ظهرت بتواقيع مزورة.
- إعادة نسخ لوحة طبق الأصل من اللوحة الأصلية وبتوقيع مزور.
- نسخ مزيفة مِنْ اللوحات الحقيقيةِ.
بالنسبة إلى بعض اللوحات سمح للناشرين بالتعاقد مع دالي لإنْتاج نسخة عنها. هذه اللوحات المنسوخة مُيّزتْ بشكل واضح عن اللوحات الأصلية الأولى مِن خلال التوقيع (أحيانا معكوسة وأحيانا أخرى ضمن الصورةِ). طبقا لفيلد فإن دالي لم يوقع مع أحد عقدا لا محدودا لتقليد لوحاته.
لقد تسبّبَ دالي نفسه بتزوير بعض من لوحاته التشويش لأنه كان يوقع على الصفحات الفارغةِ بنفسه في بَعْض المناسباتِ لكي لايتأخر نشرها بسبب تَنَقُّله المتكرّرِ بين نيويورك وباريس وإسبانيا إذ أوضحت التقارير أن دالي وقّعَ بين 40,000 و35000 صفحة فارغة الا أن فيلد نفى حصول ذلك معللا بأنها إشاعات مغرضة نشرتْ عمدا مِن قِبل الناشرين المحتالين للتستر على فضيحة التواقيعِ المزيفةِ.
ولحسن الحظ فان مصنع الورق الذي كان يصنع تقريبا كل الأوراق التي يستعملها دالي للوحاته قد وضع علامة مائية مميزة لأوراقه في العام 1980 وهي رمز اللا نهايةِ. وهكذا فان أكثر اللوحات المزيّفة يُمْكِنُ أَنْ تُميّز تماما وبسهولة. ان اللوحات التي تحمل علامات النهر أَو علامة الأقواسِ المائية بإشارةِ اللا نهايةَ وتظهر توقيع دالي، هي لوحات مزيفة لأن دالي لَمْ يُوقّعْ أيّة لوحات بعد العام 1980.
إن تزييف لوحات دالي مازال مستمرا ومازالت اللوحات المزيفة منتشرة في سوقِ الفَن. الكثير منها معْروض الآن على الإنترنتِ. والسؤال هنا كَيْفَ يحمي المشترون من عشاق الفن أنفسهم من التعرض لهذا الإحتيالِ؟
جمع لوحات دالي
إن تأسيس المزادات أَو المعارض الفنية شيء جميل لكنه لا يوفر الحماية الكافية.لأن الأشخاص غير المؤهلين قانونيا والتُجّار في الفَنِّ والمحتالين يُمْكِنُ أَنْ يوجدوا في الدكاكينِ المتواضعة وكذلك في المعارضِ الغنيةِ والمزادات