ملف الأوقاف، هذا الملف المسكوت عنه يحتاج إلى صرخات مدوية لعلاجه، لا يمكن أن نكتفي بالتنديد. لقد قدمت هذا الملف إلى كل المجتمع البحريني بكل أوراقه ومستنداته على طبق من ذهب. لم أتعب في ملف بقدر ما تعبت في ملف الأوقاف، عكفت على أوراقه ليالي وأشهرا، قمت بإفراز الأراضي المهمة كأراضي السيف والتي أصبحت غالبيتها في أيدٍ أخرى والناس نيام. سجلت بالوثائق التجاوزات التي حدثت، عقدت لقاءات ولقاءات عند جمعي للمعلومات، رصدت الأراضي الموثقة وغير الموثقة المبعثرة في الحجر والدراز وسترة والنعيم وجدحفص. جمعت أسماء وقرأت أخرى، أصبت بالدهشة للأسعار والإيجارات، وعرفت من الإدارات من راح يستأجر تارة ويبني تارة أخرى. وقرأت أسماء من ترسو عليهم المناقصات ومن مجالس الإدارة أيضا.
استطعت أن أحصل على وثائق هي في غاية الأهمية. وصرخت بملء الفم: يا جماعة، الأوقاف مليئة بالذهب فعلا، إنها منجم ذهب ومغارة من الألماس... أراض على مدّ البصر بدأت «الإسكان» تأخذ بعضها من غير تعويض... نعم من دون أن تعوض الأوقاف! لماذا يتم ذلك؟ أتعلمون لماذا؟ لأن الجميع صمت، لأننا نبكي على الحسين (ع) في يوم العاشر لكنا وقفنا بدمٍ بارد من دون أن نحرك ساكنا. نعم تألم جميع المجتمع ووجدت بعض المواطنين من بكى عندما قرأ المستندات التي قمت بعرضها عبر الصحافة، ولكن ذلك لا يكفي.
قد يقول البعض: هل تحقق شيء؟ أقول: أنا قمت بتكليفي الشرعي وغدا سألقى الله يوم القيامة وضميري مرتاح لأني دخلت مفردا إلى عش الدبابير، وجاءني تهديد من قبل أحد المقربين من الأوقاف بعدم طرح بعض ما يطرح في الندوة التي عقدتها في جمعية العمل، وعلى رغم ذلك طرحت غالبية الأمور واتصلت ببعض المآتم وبعض قوى المجتمع المدني والأهلي وعقدت لجنة ساهم في كتابة تقريرها أحد المتخصصين في ذلك وكتب لي تقريرا مفصلا بالأرقام وذهبت ذات يوم إلى أحد المعنيين بما طرحت لأوضح له خطورة ما حدث، وذهبت إلى شخصية رسمية رفيعة المستوى وحدثتها عن خطورة الملف، وبعد كل ذلك لا أقول إن العمل ذهب هباء بل على العكس. فمن الإيجابيات:
1- توثيق ملف الأوقاف بالحقائق صحافيا وكتابيا، إذ تم استعراض الملف ولأول مرة في التاريخ بالحقائق والمستندات، وهذا يعد إنجازا عظيما إذ ظل هذا الملف لا يقرب منه أحد والآن أصبح موثقا.
2- تم إلقاء الحجة على السلطة وعلى المجتمع بحتمية إيجاد حل لمؤسسة الأوقاف وخصوصا بعد طرح الموضوع بهكذا أدلة وبراهين، وهناك أخبار سُربت بأن السلطة عازمة منذ أمد على تغيير مجلس الإدارة الذي ثبت تجاوز بعض أعضائه للقانون عندما استغلوا موقعهم بإرساء مناقصات على أنفسهم أو استئجار أراضٍ ومزارع لهم أو لأبنائهم، وهذه الأمور تناولتها أيضا بالمستندات.
نتمنى أن يكون خبر حلّ المجلس صحيحا، ونحن نطمح إلى إدخال الإصلاح في الأوقاف وخصوصا أن هذه الأموال أموال قدسية وكل المجتمع البحريني يسأل متعجبا عن صمت السلطة عن ملف الأوقاف.
3- الإنجاز الآخر هو ارتفاع الأسعار بالنسبة إلى الوقفيات بعدما طرح في الصحافة، فبعض الأسعار ارتفعت إلى أضعاف مضاعفة ولكن الكلام يجب ألا يكون رفع السعر انتقائيا. الأموال التي ربحتها المؤسسة من ارتفاع الأسعار صبت في صالح الوقف، وهذا في حد ذاته إنجاز لما طالبنا به. تبقى قضية جوهرية وهي: هل سنصمت عن الملف؟ طبعا لا. لنا جولة أخرى، وقد نضطر إلى وضع الكثير من النقاط على الحروف.
أما عما طرحته الأوقاف من مبررات عن مقبرة مقابة فهو شبيه لصمتها عما يجري على المقابر الأخرى من دون أن تحرك ساكنا. طبعا جاء رد الأوقاف: «وعما ذكره بعض الأهالي من التعدي على حرمة القبور قالوا: إن الأجزاء التي تم دفنها في مشروع الإنشاءات الجديدة لم تمس أي قبر، وان ما تم دفنه هو مجرد مجرى مائي قديم (جدول ماء)، وان بعض شواهد القبور تم وضعها حديثا للإيهام بأنها مواقع قبور قديمة». هنا لن أتحدث عن مقبرة مقابة، فالأوقاف تقول: «إن الشواهد وضعت للإيهام» لكني سأضع وثيقة موقعة بخط يد الشيخ سليمان المدني (رحمه الله) والشيخ أحمد العصفور قاضيي محكمة الاستئناف العليا الشرعية الجعفرية، كانا كتباها عبر كتابٍ أرسلاه إلى الأوقاف يخبرانها عما جرى لمقبرة بوري - والتي تكلمت عنها كثيرا عبر عدة مقالات ولم تقم الإدارة الحالية بأي فعل - الوثيقة أرسلت بتاريخ 14 مارس/ آذار 1992 ورقم الكتاب: 1996/92، موقعة من قبل القضاة ومرسلة رسميا عبر وزارة العدل والشئون الإسلامية - إدارة المحاكم.
طبعا لابد من ذكر القصة أولا، فأهالي بوري اكتشفوا في حينه أن الجزء الشرقي من مقبرتهم اقتُطع لصالح متنفذ، فذهبوا مهرولين إلى الأوقاف وبيدهم أدلتهم وتوقيعات الأهالي وكبار السن بأن الجزء الشرقي قد تم الاستيلاء عليه. إدارة الأوقاف في تلك الفترة طلبت من القضاة عبر كتاب رسمي التحقق من الموضوع مباشرة. على إثر ذلك ذهب القضاة إلى المكان فكتبوا التقرير الآتي: «حضرة الفاضل المكرم رئيس دائرة الأوقاف الجعفرية، السلام عليكم... بناء على كتابكم رقم 1 أب - 1258/1991 المؤرخ في 28 ربيع الثاني 1412هـ الموافق 6 نوفمبر 1991 والذي ذكرتم فيه أن أهالي بوري قد تقدموا بعريضة لدى دائرتكم يطلبون مسح الجزء الشرقي من المقبرة ويدّعون أنه جزء منها، نفيدكم بأن المحكمة قد قامت بالكشف على المقبرة المذكورة فوجدت أن بها قبورا، كما سألت أهل المنطقة فأفادوا بأن القسم جزء من أرض المقبرة، لذلك ترى المحكمة مسح هذا الجزء وإدخاله على أرض المقبرة واعتباره جزءا منها. التوقيع: قضاة محكمة الاستئناف العليا الشرعية. العصفور، المدني.
سؤالنا للإدارة: هل الأهالي هناك أيضا وضعوا شواهد للإيهام؟
وإذا كان كلامكم صحيحا فماذا عن الأرض التي خُططت في الحلة والتي يوجد فيها جزء هو عبارة عن قبر لأحد العلماء ومسجد للقرية؟ وإذا أردتم التفصيل فسأريكم صور المسجد والقبر والوثيقة، وهي موجودة عندي مع هذا الملف.
سؤال آخر: ماذا عن مقبرة توبلي؟ للأسف، أراضي الأوقاف في ضياع والأمر وصل إلى القبور والمقابر.
هذه قضايا يجب أن نشكل لها لجانا لنحلها، فلماذا نحن صامتون؟
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 656 - الثلثاء 22 يونيو 2004م الموافق 04 جمادى الأولى 1425هـ