بعد أن وصل أربعون رجلا إلى قبة البرلمان إثر منافسة شديدة في اختيار الاصلح والأكثر حرصا على مصلحة الناس وبعد أن طرح كل المرشحين ما في جعبتهم من أفكار واطروحات ومخططات لتطوير البلاد والحال المعيشية للمواطن والآن وقد مرت فترة ليست بقليلة في العرف البرلماني لتحديد معالم البرلمان واتجاهاته وبرامجه الاصطلاحية فإننا نقول: هل هناك خطة حقيقية لإدارة البرلمان؟
هذا سؤال يدور في بال كل المواطنين ولم يحصلوا على أي جواب حتى الآن. انه ومع التطورات السريعة للحوادث على الصعيدين المحلي والإقليمي نرى ردود فعل الأعضاء البرلمانين الأفاضل فاترة ولم تبلغ الحد المطلوب. أين المواقف الوطنية المطلوبة من الأعضاء في المواضيع العامة كالمسألة الدستورية والتي أبدى فيها الجميع وبصوت عال رأيه؟ لماذا لم يطرح البرلمان رؤيته فيها حتى الآن؟ ترى ما هي الموانع من طرح هذه المسألة على المؤسسة التشريعية في البلاد، وهي المؤسسة الرئيسية ذات الصلة ورأيها الفيصل وتحت قبتها الموقع الصحيح لحوار مثل هذه الموضوعات؟ أين دور البرلمان في القضايا العامة كقضية الإسكان التي أخرى الملف بعض أعضائه بالتصويت ضد المصلحة العامة عندما صوتوا ضد تخصيص مبالغ إضافية لحل مشكلة المواطنين؟ أين دور البرلمان الذي نرى صور أعضائه كل يوم تملأ الصحف في حل مشكلة البطالة أو حتى المساهمة فيه؟ أين دور البرلمان في علاج مشكلة الصندوقين التي وصلت أصداء فضائحه إلى الصحافة العالمية ليأتي تقرير اللجنة ويبرئ السادة المسئولين عن المخالفات المتكررة وعن إهدار المال العام؟ أين البرلمان عن قضايا الشباب ومطالبهم التي تتحطم كل يوم مع الوضع الاقتصادي المجمد؟ لماذا لا يقوم البرلمان بدعم حقيقي للمشروع الاصلاحي عبر طرح ملفات البلاد الساخنة وطرح علاجات مناسبة لها؟ أين ممثلو الشعب عن مطالب الشعب الذي بدأ يكفر بهم؟ لماذا هذه المسافة الكبيرة بين البرلمان والشعب؟ لماذا لم نرَ الأعضاء البرلمانيين في المناسبات والمسيرات الشعبية التي ما وصلوا إلى البرلمان إلا من نتاجها؟ كل هذه الأسئلة وأمور كثيرة أخرى تجعلنا ليس فقط نتراجع عن قناعتنا في اختياراتنا الشخصية في البرلمان، بل بدأنا نقتنع شيئا فشيئا بضرورة إحداث تغيير جذري في الفكرة والأفراد.
إن هذا الحال الذي وصل إليه البرلمان، بالإضافة إلى الشخصية المنكسرة لأعضاء البرلمان بسبب هوان أعضائه وسوء إدارته، بل ومحاولات إسكات المشروعات الجادة والأعضاء النشطين في إبداء آرائهم لدرجة إحالة مناقشاتهم إلى قضايا شخصية وتحول المجلس إلى مسرح للنزاعات وتبادل التهم وتكالب القاصي والداني عليه، لأنه لم يبقِ لنفسه شيئا كي يبقي الناس له، والذي صار الشعب مصدوما فيه حين يرى أو يسمع خضوع المجلس لإرادة السلطة التنفيذية حينا ولإرادة التنظيمات السياسية خارج البرلمان حينا آخر. كل ذلك قادنا إلى أن نعتقد بان المجلس يسير بستر الله وإلا فحتما هذا الأداء الذي اعتبره البعض خروجا عن رغبة الشعب، أكد ويتأكد كل يوم فراغ محتوى أعضاء المجلس فضلا عن الحاجة الماسة إلى تطوير ضوابط المجلس.
إن المجلس باعتقادنا لابد له أن يطور من أدائه الضعيف والذي لا يرقى إلى المستوى الذي كان يطمح له الشعب من الناحية التنفيذية أو حتى من ناحية طرح البرامج والخطط الفردية والكتلوية، وذلك إما بالاستعانة بالخبرات البحرينية المتخصصة ذات الأهلية العالية عبر تعيينهم في البرلمان مباشرة كخبراء ومستشارين للمجلس أو عبر تعيينهم في المكاتب الخاصة لأعضاء المجلس، مع العلم أنه تم تخصيص مبلغ مالي لإدارة مكاتب البرلمانيين الخاصة، ليساعد أهل الاختصاص أعضاء البرلمان في إعداد خططهم وبرامجهم واستجواباتهم وبشكل قانوني وعلمي ومنظم إلى جانب حاجة البرلمانيين المتزايدة إلى تطوير أدائهم الشخصي بالانخراط في دورات متخصصة في الإدارة البرلمانية والقانونية وأساسيات الإعلام وفن الحديث وغيرها من البرامج الأولية والضرورية للبرلماني. كما أنه بات من الضروري تأسيس مركز دراسات استراتيجية خاص بمجلس النواب يعطي المشورة إليهم ويجري المسوح المعلوماتية في الفترة المناسبة.
وهنا لابد أن نؤكد على البرلمانيين عدم تجاهل رغبات الشعب بشرائحه كافة والاتزان بين المطالب الشعبية والمصالح العامة بالنظر إلى الصحيح وليس الانجراف خلف الأصوات المتعالية غير المدروسة أو حتى العابثة. إن مكتسبات الوطن أمانة في أعناقكم، فإن كنتم على قدر مسئولية حملها فسارعوا إلى ذلك أو اعتزلوا وأفسحوا الطريق إلى من هو أهل لها.
ونحن إذ نقف لنقول بصراحة رأينا في البرلمان وأدائه إلى نهاية دور انعقاده أخيرا فإننا نطالب البرلمان أن ينشر خطته العامة على المواطنين وذلك لإشراكهم في تطويرها ولإثبات أن البرلمان يعمل على الأقل بآلية وحسابات مخطط لها، كما أنه من حق المواطنين أن يطلعوا على النتائج التي لم تنشر في التحقيقات البرلمانية والأسباب التي تم على أساسها اتخاذ بعض القرارات المهمة والمصيرية كقضية التحقيق البرلماني في إفلاس الصندوقين. كما اننا نطالب البرلمانيين أن يحسموا أمرهم، إما الشعب والشعبية ومزيدا من الدعم الشعبي والعضوية للمرات المقبلة أو التردد والتراجع وتوديع البرلمان في انتخابات 2006.
وإننا باعتبارنا جمعية حقوقية نعتقد أن البرلمان مدان بغياب الشفافية واخفاء المعلومات عن المواطنين، كما أنه مدان ويتحمل مسئولية تاريخية في ضعف هيبة العضو البرلماني. إننا وفي كثير من حواراتنا ولقاءاتنا التشاورية مع الناشطين في البحرين وخارجها، نتفق على أن المجلس صار يمارس دورا روتينيا، وهو غائب عن الساحة السياسية ولاهيا بخلافات وشجار أعضائه.
رئيس لجنة التمييز بجمعية الحريات العامة
العدد 655 - الإثنين 21 يونيو 2004م الموافق 03 جمادى الأولى 1425هـ