نشرت حملة المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية وعالم الاقتصاد الأميركي ليندون لاروش المقال الآتي الذي تحدث فيه عن فضيحة أبوغريب:
يقول لاروش: «أخبروا أولئك الذين يصلون من أجل وقوع معركة الهرمجدون (على أمل الحصول على ثواب رباني متمثل بإعفائهم من دفع إيجار منازلهم الشهر المقبل) أن سلوك إدارة بوش في فضيحة السجون العراقية يقدم لأي ضابط استخبارات كفوء دليلا ماديا قاطعا أن هذه الصور هي مفاتيح وخيوط تدل على ان جريمة ارتكبها أولئك الذين يحملون «علامة الوحش»، الذين يشبهون في أفعالهم زعيم محكمة التفتيش الإسبانية القس سيئ الصيت توماس توركومادا، وأن مرتكبي تلك الجرائم ضد الأسرى العراقيين هم مجموعة نائب الرئيس ديك تشيني وغيره ذاتها الذين تم كشفهم باعتبارهم «الرجال الوحوش» في تقرير «أبناء الشيطان» الذي أصدرته حملتي بشأن الجذور السيناركية التي ينتمي إليها المحافظون الجدد اليوم من أتباع البروفيسور ليو شتراوس. وهي الجذور ذاتها التي تربطهم بالفاشيين بنيتو موسوليني وأدولف هتلر وفرانسيسكو فرانكو وغيرهم من الفاشيين الذين عاثوا في أوروبا فسادا في الأعوام 1922 إلى 1945. هناك، أي في النوايا المعبر عنها في تلك التقاليد السيناركية، تكمن الإدانة الفعلية والإجرام الفعلي على أعلى المستويات.
معظم الناس اليوم يفكرون وكأنهم يركضون في كل الاتجاهات على طاولة بليارد عملاقة، لذلك يحاولون تحليل وتوضيح كل تجربة تواجههم في سياق السؤال «من ضرب من؟». بالنسبة إلى الأشخاص الذين يشاطرون هذه الحال العقلية المشوشة، تكمن الجريمة بشكل رئيسي في الفعل الإرادي للفرد. لكن أي شخص متعلم وبكامل قواه العقلية يرفض طريقة «من ضرب من». الذهن الذي نما بشكل عالي الكفاءة يدرك أن الجريمة الفردية مثل الجريمة المنعكسة في الصور الواردة من السجن الأميركي في العراق. في مثل هذه الحالات، كما في الجرائم البغيضة التي ارتكبتها محاكم التفتيش، أو التي تشابهها في نظام السجون الأميركية في العراق اليوم، تقع المسئولية الأساسية والعملية الإجرامية الأساسية على أولئك المسئولين عن تصميم سياسة وزارة الدفاع الأميركية لشن الحرب على العراق واستمرارها.
تأمّل بعض النقاط ذات العلاقة هنا: أعلن رئيس الولايات المتحدة الأحمق في يوم من الأيام أن الحرب في العراق انتهت بانتصار الولايات المتحدة. ياله من أحمق وهو يرتدي بزة عسكرية وكأنها ثياب مهرج ويقف على حاملة طائرات ليعلن نفسه عقلا مدبرا في شئون الحرب! الحرب لم تنته لهذه اللحظة، فما تخيله الرئيس التعيس والمحدود في قدراته العقلية أنها نهاية الحرب لم تكن سوى بداية المرحلة الجديدة والأكثر دموية في الحرب، لكن هذه المرة في صيغة حرب عصابات لا متوازية كلاسيكية على نموذج الحرب الكورية في مرحلة ما بعد انتهاء فترة قيادة الجنرال ماك آرثر وأيضا في فيتنام وغيرها.
الرئيس بدأ حربا ثم لم يستطع انهاءها بنجاح، ثم عاد ليلوم الأمة التي هاجمها هو (على أساس حجج زائفة اخترعتها زمرة نائبه ديك تشيني) بسبب رفض أبناء تلك الأمة السير وفق ما يعتقد الرئيس أنها سلطة إلهية منحت له ليعلن انتهاء الحرب وقتما شاء. وزاد الرئيس الأحمق حماقته تعقيدا بتعيين بول بريمر مسئولا على البلد، فاحتل بريمر مكاتب صدام حسين ومناصبه، وخرق جميع المبادئ التقليدية المتبعة حين تجد القوات الأميركية نفسها كقوة احتلال، ثم استنسخ كل أنواع الأفعال السيئة التي كان صدام حسين يتهم بها من قبل معارضيه العراقيين.
في ظل نظام بريمر تم تعذيب العراقيين للحصول على معلومات مزعومة متعلقة «بأسلحة الدمار الشامل» التي يمكن القول بكل تأكيد إنها لم تكن موجودة على الإطلاق.
أليست هذه أصداء محاكم التفتيش: «اقتلوهم جميعا، والرب سيتولى فرز من كان منهم بريئا ومن كان مذنبا»؟!
لكي يحرّر الرئيس نفسه من احتمال إدانته في الجريمة المستمرة، فعليه أن يستدعي جميع شركاء تشيني ورامسفيلد في الجريمة إلى المكتب البيضاوي. على الرئيس أن يقول لهم: «لقد وجدت العدو في العراق. هذا العدو هو نحن». يمكن للرئيس أن يضيف وهو يشير إلى نائبه: «ديك، أخرج ذلك البساط اللعين من فمك»!
ملاحظات على المقال
نسجل هنا ملاحظتنا على مقال لاروش، فـ «علامة الوحش»، يشير بها إلى المسيحيين المتصهينين المتطرفين. وعبارة «علامة الوحش» ترد في «سفر الرؤيا» الإصحاح الثالث عشر وتشير في الواقع إلى أن من يحملونها هم أتباع الشيطان وليس المسيح. أحد هؤلاء هو الجنرال الأميركي وليام بويكن المسئول في قسم الاستخبارات في البنتاغون، وهو من المسيحيين المتصهينين المتطرفين الذي أثار مشاعر المسلمين بقوله علنا في كنائس إنجيلية «إن إله المسلمين وثن»، ويتبجح بأن الحرب على الإرهاب هي حرب من أجل المسيحية، ويقول: «إن المسلمين يكرهون الولايات المتحدة لأنها أمة مسيحية ولن يتم القضاء على عدونا الروحي إلا إذا وحدنا صفوفنا ضده باسم يسوع المسيح».
بويكن ورئيسه ستيفن كامبون وهو من مناصري «إسرائيل» المتطرفين وواحد من زمرة المحافظين الجدد مسئولان بشكل مباشر عن التحقيق في السجون في العراق التي طلبت فيها المخابرات العسكرية الأميركية بتشجيع من بويكن وكامبون باستخدام وسائل التعذيب ضد الأسرى العراقيين لإجبارهم على الإدلاء بالمعلومات.
أما في تعبيره بـ «العض على البساط أو السجاد»، فهو تعبير إنجليزي يشير إلى الأشخاص الذين لا يستطيعون السيطرة على نوبات غضبهم فيسعون إلى عض قطع الأثاث والقماش!
كاتب عراقي
العدد 655 - الإثنين 21 يونيو 2004م الموافق 03 جمادى الأولى 1425هـ