تبدو سورية في حركة غير عادية، فهي منشغلة بعمق في قضايا تبدو منفصلة، لكنها في الواقع، تظهر متكاملة، وذات روابط وثيقة فيما بينها. أول الاشغال السورية، زيارة رسمية بدأها الرئيس بشار الأسد الى الصين مع وفد رسمي، هدفها تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين دمشق وبكين، وهي الزيارة الاولى التي يقوم بها الرئيس الأسد الى بكين التي تربطها علاقات تاريخية مع سورية، أكدها موقف بكين في رفض العقوبات الأميركية على سورية، وهو بين عوامل دفعت الى توجه دمشق نحو بكين لمساعدتها للخروج من مشكلاتها الاقتصادية، وخصوصا مواجهة تداعيات العقوبات الأميركية على سورية على نحو ما أكدت مصادر في دمشق.
وثاني الانشغالات السورية، دعوة احدى عشرة جماعة من جماعات المعارضة السورية السياسية والمنظمات المدنية والحقوقية الى اغلاق ملف الاعتقال السياسي في سورية، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية ليوم المعتقل السياسي السوري الذي يصادف الحادي والعشرين من يونيو/ حزيران الجاري. ودعت الاحزاب والمنظمات (وبينها جماعات كردية) الرئيس بشار الأسد إلى وقف إجراءات الاعتقالات والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وخصوصا معتقلي «ربيع دمشق» وداريا وحوادث القامشلي والمعتقلين الآخرين من فلسطينيين وأردنيين ولبنانيين وغيرهم، وطي ملف الاعتقال السياسي ورفع حال الطوارئ والأحكام العرفية تمهيدا لإقامة حياة وطنية مستقرة في ظل سيادة القانون، والتقدم نحو دولة العدل والمساواة، الدولة الديمقراطية، دولة جميع المواطنين.
وأكدت هذه الجماعات في بيان لها «أن الاعتقال السياسي لايزال يسمم حياتنا الوطنية ويلقي عليها ظلالا قاتمة يزيد ما بها من مصاعب معيشية وخدمية سوادا ومأسوية ويشيع في حياة الناس الخوف والرعب والتردد من المشاركة في العمل العام، والدفاع عن الوطن وقضاياه المصيرية». ودعت السوريين الى اعتصام بهذه المناسبة في قلب العاصمة السورية مساء الاثنين لدعم مطالبها في طي ملف الاعتقال ورفع حال الطوارئ. وعقب ناشط في لجان احياء المجتمع المدني على هذه التحركات بالقول: «إنها تأتي في اطار جهود مستمرة لتطبيع الحياة العامة في سورية، وفي سياق تصحيح العلاقات المختلة بين المجتمع والسلطة».
والانشغال الثالث النشط في العاصمة السورية هو نشاط برلماني، يقوم به عشرات من اعضاء مجلس الشعب السوري سعيا الى اقرار قانون في المجلس يفرض مقاطعة سورية على الولايات المتحدة في مسعى سوري آخر، يرد على العقوبات الأميركية التي فرضتها واشنطن على سورية حديثا.
وتجاوز عدد البرلمانيين السوريين الداعمين لمشروع قانون مقاطعة الولايات المتحدة أكثر من نصف عدد اعضاء مجلس الشعب البالغ 250 عضوا، ويشير المشروع في حيثياته الى «الاسباب الموجبة»، ومنها دعم واشنطن اللامحدود «إسرائيل» وبثها الفتن واثارة النعرات الطائفية في العراق بعد احتلاله بالقوة، لكن الاهم هو فرض عقوبات أميركية على سورية.
وينتظر أن يناقش مجلس الشعب السوري مشروع القانون في السابع والعشرين من الشهر الجاري، ومن المؤكد اقراره بأكثرية اصوات المجلس بحسب تقدير الأوساط البرلمانية. ومن شأن اقرار مشروع القانون الجديد، أن يحول المقاطعة السورية للولايات المتحدة من مقاطعة شعبية تديرها منظمات اهلية تشتغل عليها بقوة منذ اربع سنوات ردا على سياسة واشنطن في الشرق الاوسط الى مقاطعة مزدوجة شعبية ورسمية، لكن حصول أمرٍ كهذا سيصطدم بالموقف الرسمي السوري الداعي الى الحوار مع واشنطن، وهو في الأبعد من ذلك قد يفاقم التوترات القائمة في العلاقات السورية - الأميركية فيدفعها الى انفراج او الى تصادم نهائي وواسع، كما يقول مصدر دبلوماسي عربي في تعليق له على نشاط البرلمانيين السوريين الحالي.
انشغالات السوريين، رئيسا ومعارضة وبرلمانيين، وإن بدت في اتجاهات وميادين مختلفة، فإنها تندرج في سياق هدف واحد أساسه محاولة الخروج السوري من المشكلات القائمة في السياستين الداخلية والخارجية، لكن عبر لغات وادوات مختلفة
العدد 655 - الإثنين 21 يونيو 2004م الموافق 03 جمادى الأولى 1425هـ