تعتبر البلديات (أو الوحدات المحلية) المتعددة في الدولة الواحدة نمطا وصورة من صور اللامركزية الإدارية، وقد جاء قانون البلديات ليوضح أن النظام البلدي هو نظام للإدارة المحلية وليس للحكم المحلي، وذلك ما أكده وزير البلديات السابق.
وجاء في مقدمة (أو ديباجة) قانون البلديات البحريني، أن النظام البلدي الجديد يقوم على ثلاثة أركان، هي: الاعتراف بوجود مصالح محلية متميزة عن المصالح الوطنية التي تتولاها الحكومة، وإن الإشراف على تلك المصالح هو من عمل المجالس المنتخبة، واستقلالية المجالس عن الحكومة المركزية في إدارة الشئون المحلية التي تقع في نطاق اختصاصها.
ولفهم كنه اللامركزية «يستحسن» العروج على تعريف العولمة، فالعولمة من الشركات العابرة للقارات إلى الدولة إلى الإقليم إلى المحلية، واللامركزية من الدائرة أو الحي إلى البلدية إلى الإقليم إلى الدولة فالعالمية. في المركزية التقرير يتم من خلال الدولة، وفي اللامركزية التقرير يكون بقرار من الوحدات المحلية المنتخبة شعبيا بالكامل أو جزئيا، المهم أن تكون هناك استقلالية في اتخاذ القرارات نابعة من هذه الوحدة أو تلك، ويقتصر دور الدولة في اللامركزية على التوجية والرقابة، ويتم ذلك بدرجات مختلفة. وكمثال من الواقع البحريني للامركزية، خلافا للبلديات، يتمظهر ذلك في إستقلالية هيئتي التقاعد والتأمينات.
وتعتبر البلديات أو المجالس الشعبية أو الوحدات المحلية المنتخبة «صمام أمان للأمن القومي إذ ينكفئ بوجودها التهديد الخارجي» إذ المواطنون منشغلون بمن انتخبوهم لتمثيل مصالحهم المحلية المناطقية وبعملية إدارتها، وبالتالي فما من سبيل أمام التهديد الخارجي، لإغراء الجماعات المحلية بالثورة أو التلويح بها، أو ممارسة عملية «الاستقواء بالخارج»؛ خصوصا إذا كانت تلك البلديات أو الوحدات المحلية المنتخبة تمتلك كامل الصلاحيات المتعارف عليها في العمل البلدي، فلسان حال المواطنين يكون حينها: إننا ممثلون في مجالس منتخبة من قبلنا ولها كامل الصلاحيات ونسعى من خلالها لتدعيم إمكاناتنا وقدراتنا المحلية في شتى مجالات التنمية.
وعلى ذلك، فإن المجالس البلدية المنتخبة هي المجال الأول لتطبيق مبدأ أن الشعب مصدر السلطات جميعا، وتعتبر البلديات نواة الديمقراطية وحجرها الأساس وركنها الرئيسي، والذي يجب رعايته وتهيئة الأجواء المناسبة لنجاحه. ومن أسباب وعناصر النجاح: وجود تشريع مناسب لأعمال الإدارة المحلية، وتهيئة الموازنات والهياكل الإدارية الخاصة بتسيير أعمال تلك المجالس، ووضع الموازنات (المالية) التي تعتبر عصب الإدارة والتنمية، ووضع خطط التنمية المستدامة في (المدن والقرى والأحياء) وإلحاقها بالبلديات للإدارة والاشراف والمتابعة، والعمل على نجاحها بشتى الوسائل.
والسؤال: أين واقع البلديات في البحرين من كل ذلك؟ وهل حققنا شيئا من الإدارة المحلية للمناطق، أو من الحكمية المحلية الحسنة، أو من التنمية المناطقية، أو من مبادئ اللامركزية الإدارية في إدارة المناطق؟
وعلى ذلك، فإن صلاحيات البلديات إما أن تكون شاملة لكل ما يقع في نطاق حدودها الجغرافية من خدمات، وأيضا الأمن والدفاع والسياسة الخارجية، وأما أن تكون «مقصورة» على النشاط الخدماتي الذي يقع في نطاق اختصاصها وحدودها الجغرافية، وإدارة المرافق العامة ذات الطابع المحلي، كما في المادة (3) من قانون البلديات البحريني. وتختلف النظرة إلى البلديات من بلد لآخر، فالبعض يرى إنها نشاط خدماتي بحت، والبعض الآخر يعتبرها تكريسا لواقع سياسي وعملية «فرز» للقوى السياسية والاجتماعية العاملة على الساحة المحلية.
وأما الموارد المالية للبلديات، فإن البعض يعطيها الصلاحية في فرض الضرائب والرسوم، وقد نص قانون البلديات البحريني في المادة (34) و(35) ف (أ)، (ب)، (ج)، (د) على مكونات موارد البلديات، وفيما يخص الاقتراض نص دستور 2002 في المادة (108) الفقرة (ب) على أنه «يجوز للهيئات المحلية من بلديات أو مؤسسات عامة أن تقترض أو تكفل قرضا وفقا للقوانين الخاصة بها»، وقد جاء في اللائحة التنفيذية لقانون البلديات البحريني وفي المادة (40) منها شروط قبول الهبات والتبرعات، والبعض يخصّص لها جزءا من الموازنة العامة للدولة وقد تصل موازنة البلديات إلى 35 في المئة وفي بعضها إلى 15 في المئة من الموازنة العامة للدولة. وتنشئ الدول للبلديات صندوقا خاصا كما هو صندوق الموارد البلدية المشتركة، والذي جاء النص على تشكيله في المادة (77) من اللائحة التنفيذية، بالإضافة إلى موازنتها في الموازنة العامة للدولة. والأهم من ذلك كله، هناك جانب التوجيه للبلديات والوصاية والرقابة عليها، وفي ذلك نصّ المشرع البحريني على احترام شخصية البلديات المعنوية ومنحها الاستقلال المالي والإداري، إذ جاء في دستور 2002 في المادة (50) ف (أ): «... بما يكفل لها الاستقلال...»، وفي قانون البلديات جاء أيضا في المادة (2) «يكون للبلدية شخصية اعتبارية، تتمتع بالاستقلال المالي والإداري».
ويدخل ضمن التوجيه ما جاء في المادة (36) من اللائحة التنفيذية لقانون البلديات البحريني والتي نصت على انه: «يتولى الوزير المختص بشئون البلديات إبلاغ المجالس البلدية بمضمون السياسة العامة والخطوط الرئيسية لخطة التنمية العامة للدولة» وذلك يدخل ضمن التوجيه. وفيما يخص الرقابة، فقد أكدت اللائحة التنفيذية في المادة (38) انه «لا يجوز للبلدية الارتباط بأية مشروعات أو أعمال تتعلق بمجالات التنمية المختلفة أو تمويلها أو تنفيذها بما يخالف الخطة المحلية المعتمدة». وقريبا من ذلك نص المادة (40) والمادة (41) من اللائحة التنفيذية.
الخلاصــة
إن فشل البلديات المحلية هو فشل للحكومة المركزية، ذلك أن الفشل له انعكاسات سلبية على الحكومة المركزية في أية دولة، ولذلك تسعى الحكومات المختلفة، لمساندة البلديات في عملها وليس إعاقتها، وخلق العقبات تلو العقبات والصعوبات تلو الصعوبات في طريقها، لأن تذمر الناس من أية مشروعات فاشلة هو تذمر على السياسات العامة للدولة، ولا نعتقد أن هناك دولة تستقطب الاستياء الشعبي على مشروعاتها.
وعليه، فإن الحكومة تقع على كاهلها تهيئة الظروف الملائمة لنجاح مشروع البلديات، وتوفير سبل الرعاية والدعم لها للقيام بمهماتها المتعارف عليها دوليا، سواء من خلال صوغ التشريعات أو من خلال التوجيه لمختلف القطاعات في الدولة بالتعاون معها، أو من خلال رصد الموازنات المالية للمشروعات التنموية المختلفة.
وباعتباري مراقبا لمشروع البلديات، فإن خلاصة الخلاصة (باعتقادي الشخصي) هي: اننا لم نحقق سوى تفعيل دور المواطنين ومشاركتهم، ليس في صنع مستقبلهم وإدارة مناطقهم، بل في الحديث بشأن ذلك، ولم نحقق سوى «تعويد» الناس على أسس وأوليات العمل الديمقراطي من خلال انتخاب المترشحين المناسبين، وتمرينهم على حرية التعبير وتبادل الأفكار والآراء، وقد يكون ذلك جيدا، خلال عامين من العمل البلدي، ولكن الأهم من ذلك هو الوصول إلى المشاركة الفاعلة من خلال قوانين متوافقة مع أرقى ما توصلت له الممالك الدستورية العريقة، فشعب البحرين انتظر بما فيه الكفاية، وناضل بما فيه الكفاية، فلا يستكثر عليه أحد المشاركة في صنع القرار المحلي ابتداء، وإذ إن البلديات نواة الديمقراطية وحجرها الأساس، فالاهتمام يجب أن ينصب عليها، وعلى تطويرها وإعطائها «كامل الصلاحيات المتعارف عليها في العمل البلدي» كما أشار جلالة الملك حفظه الله، وليس كما يريد بعض المسئولين المتسلطين على البلديات
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 655 - الإثنين 21 يونيو 2004م الموافق 03 جمادى الأولى 1425هـ