كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل يومين عن أنه أبلغ الولايات المتحدة أن نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين «يعد لأعمال إرهابية» تستهدف أراضيها بعد 11 سبتمبر/ أيلول.
ما مغزى هذه التصريحات الروسية في هذا الوقت بالذات والتي تعتبر - ولأول مرة - تغيرا كاملا وبدرجة مئة وثمانين في السياسة الروسية بشأن العراق لصالح مواقف الرئيس الأميركي جورج بوش؟ فبالأمس القريب كان رموز النظام العراقي البائد يتوافدون زرافات ووحدانا على موسكو من أجل النصرة والحماية من بطش سيدة العالم أميركا ومن أجل إفشال مخططاتها داخل مجلس الأمن. وكانت روسيا إلى جانب فرنسا ملجأ النظام البعثي حينما قلّ النصير من بني الجلدة، إذ دائما تؤكد أن صدام ليس له علاقة بالتنظيمات المتشددة، وخصوصا «القاعدة» وأنه أوفى بالتزاماته تجاه المجتمع الدولي وبما طلب منه من تدمير لترسانة أسلحة الدمار الشامل.
لقد أكد مسئولو النظام العراقي السابق مرارا أن أيديولوجيتهم تختلف عن أيديولوجية زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن وأثبتت الأيام والغزو الإنجلو-أميركي بل وتحقيقات لجنة تقصي الحقائق في 11 سبتمبر الأميركية أن صدام ليس له ارتباط بـ «القاعدة» على رغم إصرار بوش ووزير خارجيته كولن باول على أن هناك علاقة من دون تقديم دليل وحتى من دون الكشف عن المعلومات الروسية في السعي إلى تبرير لماذا الحرب؟
إن تصريحات الرئيس بوتين تنم عن حاجة في «نفس يعقوب» ولا ندري إن كانت يقتضيها تبادل المصالح، إذ هناك القضية الشيشانية، والمقاتلون الشيشان الذين تصفهم موسكو دائما بالإرهابيين، بينما تعتبرهم واشنطن ثوارا ويتعرضون للبطش والتنكيل من قبل القوات الروسية، فقضيتهم أداة ضغط أميركية على روسيا ولذلك يريد بوتين ربما تقديم شيء من أجل وقوف بوش معه في قضاياه، ومنها الضغوط الأميركية اليهودية بشأن محاكمة الملياردير الروسي اليهودي ميخائيل خودركوفسيكي، إذا ما أنقذ الأخير من مشكلاته. وربما يكون للمصالح الاقتصادية شأن آخر، فروسيا ليست كالاتحاد السوفياتي السابق الذي وقف ندا للغرب، فهي أصبحت بحاجة إلى التعاون الاقتصادي والمساعدة من عدو الأمس وربما هناك ما هو أخفى من ذلك.
ليس دفاعا عن الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ولكن كما يقول المثل «إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه»، لم تشفع لصدام ومع اقتراب موعد محاكمته، صداقته الروسية، وعدم العثور على أسلحة الدمار الشامل التي كانت المبرر الأساسي للغزو، ولم يجد متعاطفا معه على رغم عدم ثبوت تورطه في التخطيط لهجمات على المصالح الأميركية بالوثائق والقرائن. لكن أخشى أنه إذا أتيحت للرجل وأعوانه محاكمة عادلة وعلنية أن يتورط معه النظام الروسي وربما الإدارات الأميركية السابقة والحالية بل وبوش نفسه وحكومات عربية وإسلامية
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 655 - الإثنين 21 يونيو 2004م الموافق 03 جمادى الأولى 1425هـ