العدد 654 - الأحد 20 يونيو 2004م الموافق 02 جمادى الأولى 1425هـ

الملف النووي الإيراني... نزاع من دون نهاية

بين الانصياع للأوروبيين والارتياب من الأتراك

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

يقع مقر المنظمة الدولية للطاقة في مدينة فيينا وأصبح تقليدا أن توجه المنظمة تهديدات إلى الصناعة النووية الإيرانية، لكن من دون أية تبعات. وهذا هو أيضا مضمون مشروع القرار الألماني الفرنسي البريطاني الذي يتشاور بشأن المسئولون في المنظمة. وهم من جهة يتهمون إيران بالتقاعس عن تقديم معلومات صريحة عن برنامجها النووي، لكنهم لا يفكرون بإدانة إيران أو نقل النزاع إلى مجلس الأمن الدولي كما ترغب الولايات المتحدة.

وأعلن الإيرانيون من جانبهم أنهم يريدون خفض تعاونهم مع المنظمة الدولية للطاقة الذرية في حال قامت الأخيرة بتوجيه (تعنيف) للجمهورية الإسلامية، لكن إيران أكدت في الوقت نفسه أنها متمسكة بالمعاهدة الدولية للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، كما أنها لن تعترض على دخول مفتشين دوليين أراضيها لتقصي الحقائق.

في الأيام القليلة الماضية صدرت دعوات الى ألا يكون مضمون مشروع القرار شديد اللهجة وتدعم دول عدم الانحياز هذه الدعوة خصوصا بداعي أن دول العالم تملك الحق في الحصول على برنامج نووي يستخدم للأغراض السلمية، لكن في الحقيقة فإن مشروع القرار يكشف - بغض النظر عن الصيغ - الشعور بالأسف لعدم تعاون الحكومة الإيرانية وأنه يجري النظر إلى برنامجها النووي بأنه مثير للقلق إلى أعلى درجة. ويلاحظ أن رئيس المنظمة، محمد البرادعي، بدأ يزداد صوته حدة حين أشار إلى قرب نفاد صبره، ولابد من تذكر أنه يتمنى أن يعاد انتخابه مرة جديدة في منصبه في الخريف المقبل، وهذا غير ممكن من دون حصوله على تأييد من الدول الغربية.

وطلب الرئيس الإيراني محمد خاتمي في رسالة بعثها إلى قادة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا أن يجري وقف الضغط الذي يمارسونه على إيران. ويذكر أن وزراء خارجية الدول الثلاث نجحوا الخريف الماضي في نزع فتيل نزاع حاد مع إيران حين اتفقوا معها على إجراءات لبناء الثقة وعرضوا عليها تقديم مساعدة فنية كي يصبح بوسعها استخدام المفاعل لأغراض سلمية بحتة. وتبع ذلك تجميد إنتاج اليورانيوم المخصب لأجل غير مسمى، كما سمح الإيرانيون بزيادة عدد مهمات التفتيش لمنشآتها. واعتبرت إيران أن النزاع انتهى عند هذا الحد وراحت تنتظر أن يصدر عن المنظمة الدولية للطاقة التقرير الختامي تأكيدا لنهاية النزاع.

الانصياع للأوروبيين

لكن في الأثناء يشك الغرب بأن إيران تعمل سرا في التحضير لإنتاج أسلحة نووية. ويرى ممثل إيران المعتمد لدى المنظمة في فيينا حسين موسفيان أنه ليس لبلاده خيار آخر غير مواصلة التعاون مع المنظمة الدولية، لكن في حال تمرير مشروع القرار الثلاثي الأوروبي قال موسفيان إن النتيجة ستكون وقف التعاون في المجال النووي السلمي مع الأوروبيين، ومعنى ذلك تحديدا أن إيران ستسعى في المستقبل أيضا الى شراء التقنية النووية من روسيا التي تعمل الآن في إنجاز مفاعل «بوشهر»، الذي كان الألمان في عهد الشاه أول من وضعوا قاعدته، كما سيتعاون الإيرانيون في هذا المجال مع الصين. ووفقا لتصريحات وزير الخارجية كمال خرازي ينبغي على المجتمع الدولي أن يقبل إيران باعتبارها بلدا عضوا في النادي النووي. ويعتقد المراقبون أنه حين تنظم إيران جماعات المتظاهرين التابعين للميليشيات الشعبية والحرس الثوري للقيام بدور دروع بشرية والهتاف أمام المفاعل الذري: «الموت لأميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا»، فإن الهدف من ذلك هو ردع أولئك الإيرانيين الذين يصبون إلى قيام علاقات طبيعية بين إيران والغرب، وهؤلاء محسوبون على التيار المحافظ. وكتبت صحيفة «جمهوري إسلامي» لسان حال التيار المحافظ تقول: «ينبغي علينا عدم الانصياع للأوروبيين». وعلق الرئيس الجديد للبرلمان المحسوب أيضا على التيار المحافظ على هذا بدعوته البرلمان إلى عدم التصديق على الاتفاق الملحق باتفاق معاهدة الحد من أسلحة الدمار الشامل التي وقعته الحكومة الإيرانية تحت ضغط دولي في الخريف الماضي. وينص الاتفاق الملحق على السماح لمفتشي المنظمة للقيام بمهمات تفتيش المنشآت النووية الإيرانية من دون موعد مسبق وقبل ساعتين من بدء التفتيش. ويشك المراقبون بأن النزاع يمكن أن يتجاوز حد التهديدات الباردة، إذ كل فرد في إيران يعرف حق المعرفة أن أوروبا واليابان خصوصا لديهما اهتمام بالتعاون الاقتصادي مع إيران ولا تستطيعان بالتالي فرض عقوبات اقتصادية عليها. إن طريقة تعامل الحكومة الإيرانية مع النزاع القائم مع المنظمة الدولية للطاقة الذرية والأوروبيين هي أيضا عملية اختبار للنهج الذي سيعمل به التيار المحافظ في إيران الذي حصل على الغالبية البرلمانية في الانتخابات الأخيرة. ومن المنتظر أن يستمر الرئيس خاتمي مدة عام واحد في منصبه، ولم يعد بوسعه وضع العراقيل أمام التيار المحافظ.

الخامنئي والاقتصاد الحر

وكشف الزعيم الروحي لإيران، آية الله علي خامنئي، بعض الخطوط العريضة عندما استقبل أخيرا أعضاء البرلمان الجديد وتحدث بوضوح عن معارضته نموذج الاقتصاد الحر الذي قدمه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وقال إن عملية النمو في إيران ينبغي أن تأخذ بمعايير الأطر الثقافية والتاريخية والدينية الخاصة بالشعب الإيراني. وكان الرئيس خاتمي دعا قبل وقت إلى تحقيق الانفتاح الاقتصادي ونهج الخصخصة من دون أن يتحقق هذا الهدف، ذلك أن نسبة 70 في المئة من الاقتصاد الإيراني يخضع لمراقبة الدولة. كما حذر خامنئي من العمل بنموذج الاقتصاد الصيني، وهو ما دعا له بعض مرشحي التيار المحافظ خلال الحملة الانتخابية سعيا الى كسب تأييد الناخبين والإظهار لهم أن المحافظين أيضا يصبون إلى تحقيق نهضة اقتصادية في البلد.

الخزينة الإيرانية مليئة الآن بالأموال، وتدين بالشكر في ذلك إلى الزيادة العالية لأسعار النفط إذ بلغ حجم احتياطيها من العملات 35 مليار دولار، لكن ليس هناك من يعرف بعد كيف ستستخدم الدولة هذه الأموال. ومن المقرر أن يجري افتتاح سوق للنفط في طهران خلال العام المقبل كي ينافس سوق النفط الموجود في لندن Petroleum Exchange وكذلك بورصة Nymex في مدينة نيويورك. ويعتقد الإيرانيون أنهم سيحصلون على تأييد وتعاون الدول المنتجة للنفط في منطقة الخليج لإنجاح هذا المشروع.

المطار والارتياب من الأتراك

غير أن النزاع الدائم على النفوذ بين التيار المعتدل والمحافظ في إيران ليست له نهاية. آخر هذه الخلافات ذلك الذي يدور حول مطار جديد أطلق عليه اسم مطار الإمام الخميني ويقع في الصحراء على بعد 40 كلم عن العاصمة. تحط في المطار الجديد طائرات صغيرة تأتي من دبي، لكن عمليات الهبوط تمت ليوم واحد فقط، إذ أمر العسكريون والحرس الثوري بإغلاق المطار لدواعٍ أمنية من دون أن يكون بوسع الرئيس خاتمي الاعتراض على هذه الخطوة. فقد تم اكتشاف عطل في المدرج عند تشغيل أضواء الأرصفة، لكن يبدو أن السبب الحقيقي عدم ارتياح العسكريين الإيرانيين، لأن شركة تركية نفذت مشروع البناء، وتركيا بالنسبة الى المحافظين دولة تتعاون في المجال الأمني بصورة مكثفة مع «إسرائيل»

العدد 654 - الأحد 20 يونيو 2004م الموافق 02 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً