يهدف التعليم عندنا في منحاه العلمي بشقيه الثانوي والجامعي إلى تكوين طلاب قادرين على أن يحلوا مسائل في الرياضيات أو الفيزياء أو الهندسة... من نوع:
1- إذا علمت أن الزمن الذي تحتاجه سيارة لإتمام دورة كاملة حول حلبة السباق يعطي بالقانون الآتي: ن2 = 2245 ل
إذ، ن = الزمن بالثانية، ل= طول الحلبة بالكيلومتر
إذا كان طول الحلبة 3 كم، فما الزمن الذي يحتاجه لإتمام دورة كاملة؟ ( رياضيات).
2 - تشترك سيارة في سباق السيارات. فما هي سرعة السيارة المطلوبة حتى لا يصبح الإطار مسطحا؟ ( فيزياء).
3- تدور سيارة 800 دورة في الثانية في ملعب سيارات. عندما يوقف المحرك، تزداد سرعتها عند نصف قطر 20 ث2.
أ- ما هي سرعة الزاوية بعد ثانية واحدة؟
ب- كم ستأخذ السيارة من الوقت حتى تتوقف توقفا تاما؟ ( فيزياء).
أو درسا في الكيمياء مثل: تصنع سيارات الفورمولا من ألياف الكربون الذي يعرف بالمصطلح العلمي بالمعدن الذكي. ترجع أهميته إلى التركيب الذري الرباعي الذي يضعه في منتصف الجدول الدوري ويعرف بالمتردد. للكربون القدرة على توصيل التيار وكذلك عزله. والكربون يحتوي على أربعة إلكترونات في المدار الخارجي، ما يجعله قوي الرابطة - التساهمية - على رغم قلة وزنه الجزئي. والألياف تتألف من جزيء واحد لكل وحدة، وهذا يمنحه خاصية الإلتحام، لذا يستخدم في هياكل السيارات والطائرات للحيلولة دون تعرضها للتصدع. ويمكن خلط هذه الألياف مع مواد أخرى لانتاج البولمرات.
أما جامعات القرن الحادي والعشرين فتخوض صراعا شبيها بذلك الذي شهده العالم بداية الثورة الزراعية. وتعمل هذه الجامعات على إزاحة كل معوقات النمو التي تعترضها في طريقها إلى صناعة إنسان المعرفة/ الإنتاج. إنه صراع الطبقات الفكرية التي تطمح - كما هو الحال في الدول المكتظة بالسكان مثل الهند والصين واليابان - إلى إنتاج العقول المبدعة القادرة على أن تنتج بدورها المعرفة، لأن إنتاج المعرفة ينتج بدوره منتجا من نوع آخر يتم استثماره في خلق البنى الاقتصادية التي يقوم عليها اقتصاد المعرفة.
قرأنا ان البحرين تتنفس فورمولا 1، وان المملكة تعيش في أوج إنتاج الاقتصاد بتأثيرٍ من هذه الرياضة الجديدة في مجتمعات مازالت تتنفس برئة الاقتصاد التقليدي. ويسأل المرء عن علاقة الفورمولا 1 بالجامعات، ولماذا أذكر الفورمولا 1 في حين أني أتحدث عن الجامعات؟
ما أريد أن أطرحه هو: كيف يمكن لنا أن نصوغ معادلة تجمع بين حل المسائل العلمية والهندسية (التي يتعلمها الطالب في كلية العلوم والهندسة) وبين خلق إنسان المعرفة (كما يحدده اقتصاد المعرفة) وبين رياضة «الفورمولا 1»؟
يقول المثل: العلم والمعرفة معينان لا ينضبان، فكلما ازدادت العلوم والمعارف كلما استجد جديد في هذا العالم الواسع مثل ذلك الأمطار المتساقطة على البحار التي هي مصدر تلك الأمطار، فهل نصل إلى هذه المعادلة؟ وهل ننتهي إلى وضعها موضع التفاعل؟ أم نترك الفرصة تضيع منا على غرار الفرص الكثيرة التي تركناها والتي كانت جديرة بتأهيل كلية العلوم والهندسة - لو اقتنصتها - لخلق كوادر تستجيب لحاجات سوق العمل؟
كلية العلوم: التأسيس والفلسفة
تم إنشاء المعهد العالي للمعلمات في العام 1966 وسبقه إنشاء معهد المعلمين. وكان عدد الخريجين الجامعيين والخريجات لا يتجاوز وقتذاك أصابع اليد الواحدة في حين كان عدد المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية في ازدياد مطرد. فظهرت الحاجة إلى نظام تعليم عالٍ يلبي حاجة المجتمع إلى من يملأ الوظائف الجديدة التي من شأنها أن تؤهل جزءا من خريجي الثانوية للتدريس في المدارس. من هنا تطورت نواة كلية العلوم بإنشاء أقسام الفيزياء والكيمياء والأحياء والرياضيات في الكلية الجامعية التي تم إنشئت العام 1978، فتم بذلك تأهيل أعداد كبيرة من طلبة الثانوية للالتحاق ببرامج الكلية التي كانت تابعة للكلية الجامعية آنذاك. كان الطالب يسجل في الكلية الجامعية ليتخصص في العلوم والتربية في آن واحد، وكان يطلق على ذلك المسار اسم «تخصص مزدوج»، ولم يكن يحق للطالب التخصص في العلوم البحتة. إنها الحاجة إلى مدرسين ومدرسات في العلوم، وهو ما أدى إلى التركيز في الأقسام على مسار التدريس فقط.
ساهم فريق اليونسكو في بلورة التصور الذي وضع آنذاك لكلية العلوم وكان من ضمنه العمل على تأهيل كوادر من حملة شهادة الدكتوراه للتدريس في الجامعة، فتم في العام 1980 ابتعاث أول دفعة من الفائزين ببعثات اليونسكو لإعداد الدكتوراه، 10 بعثات موزّعة على جميع التخصصات حصلت منها كلية العلوم على خمس وزعت وقتها على علوم الحياة والفيزياء والكيمياء والكيمياء الحيوية والرياضيات، بينما كانت البعثات الخمس الأخرى من نصيب كليتي التربية والآداب. وكانت الحاجة إلى مدرسي علوم هو ما أملى تصور وصوغ المناهج الذي وضعتها اليونسكو آنذاك.
مع تطور التعليم الجامعي وبلورة الفلسفة الجامعية وازدياد أعداد الطلاب في الثانوية العامة تم في العام 1986 دمج كلية الخليج للتكنولوجيا - التي تضم كليتي الهندسة وإدارة الأعمال - مع الكلية الجامعية للعلوم والآداب والتربية، فولدت جامعة البحرين، وكانت خمس كليات: العلوم، الهندسة، إدارة الأعمال، التربية، والآداب، أضيفت إليها ثلاث كليات جديدة هي: الحقوق، وتقنية المعلومات، ولكن كلية العلوم لم تغير الكثير من فلسفتها التي كانت عليها أيام الكلية الجامعية، كل ما تغيّر هو عدد الساعات المعتمدة الذي تحول إلى عبء على الطالب عوض أن تشكّل له فرصة لتنمية مهارته في العمل. ولم تغير الكلية فلسفتها بفلسفة تستلهمها من حاجات سوق العمل وخلق مواقع عمل في المصانع أو الشركات. على العكس ظلت حاجة وزارة التربية إلى المدرسين والمدرسات هي المسألة المهمة، فظل التفكير بالتدريس - عند الفتيات خصوصا - هو الهدف الأساسي من التعليم، ما أدى إلى أن أصبحت جامعة البحرين تخرج سنويا أعدادا هائلة من حملة البكالوريوس الذين لا مكان لهم في سوق العمل، على رغم ما حصل من تطوير شمل التخصصات في جميع الكليات وكذا حاجة السوق إلى الفنيين المهرة.
نصت أهداف كلية العلوم آنذاك على الآتي:
1- إعداد المتخصصين والفنيين في حقلي العلوم والآداب إعدادا علميا ومهنيا.
2- الاهتمام بالبحث العلمي والتحصيل الذاتي المتنامي الذي يصل المتخصص بآخر ما استحدث في حقل دراسته.
3- التعاون مع وزارات الدولة ومؤسساتها فيما يتولونه من مشروعات وبرامج لتطوير الأداء.
4- الإسهام في اللجان الاستشارية وغيرها داخل الجامعة وخارجها لخدمة مؤسسات الدولة.
5- إعداد وتنفيذ برامج الخدمة الاجتماعية لمدّ رسالة الجامعة إلى الأفراد والجماعات.
ولم تشر هذه الأهداف إلى أية آليّة يمكن من خلالها تغيير المناهج أو إيجاد أقسام في الكلية تدرس حاجة سوق العمل الأهلي والحكومي. وما فاقم من تعقيد وضع كلية العلوم ما تبنته من فلسفة التخصص الأساسي والتخصص الفرعي. فعلى رغم أن هذه التركيبة تهدف إلى مساعدة الطالب بما تضعه بين يديه من نظام يفيده مستقبلا بما يمنحه من حرية في اختيار تخصصين مختلفين يمكنانه من البحث عن عمل في إطار تخصصه الثاني في حال الفشل في الحصول على عمل في تخصّصه الأول فإن هذا النظام أغلق على الطالب باب الاستفادة من باقي كليات الجامعة. بالإضافة إلى هذا هناك سوء الاختيار الذي كثيرا ما يقع فيه الطالب.
والنظام المعمول به في كلية العلوم يجبر الطالب على التركيز على التخصصات الأكاديمية البحتة التي تطرحها الكلية (كيمياء/ فيزياء أو كيمياء/أحياء أو رياضيات/ فيزياء... وهكذا) ولا يسمح إلا بتخصص واحد تطرحه كلية غير كليته هو التخصص في العلوم والتربية. ولا يسمح هذا النظام بالتخصص في الكيمياء/التسويق، أو في الفيزياء/ المحاسبة... مثلا. ما أدى إلى تراكم أعداد كبيرة من الخريجين الباحثين عن العمل. سُمح للطالب في الآونة الأخيرة أن يتخصص في أحد فروع العلوم وأن يسجل بعد ذلك في دبلوم التربية، فيقضي معظم الطلاب من جراء ذلك نحو ست سنوات دراسية في الجامعة بما فيها السنة التمهيدية.
يقبل الطالب في جامعة البحرين بشرط حصوله على شهادة الثانوية العامة بمعدل 70 في المئة كحد أدنى واجتيازه امتحانات القبول في اللغتين العربية والإنجليزية والرياضيات. ويأتي الطلاب بخلفيات متفاوتة في المهارات الأساسية، مهارات التفكير والتحليل، وكتابة التقارير العلمية، المعرفة بالعلوم التي تتفاوت بين خريجي المدارس الحكومية والخاصة، القدرة اللغوية، الكفاءة في الرياضيات والقدرة على إنجاز البحوث والدراسات.
تتراوح المدة التي يقضيها الطالب في كلية العلوم بين 4 و6 سنوات وإن كان المعدل الطبيعي بالنسبة إلى غالبية المتخرجين هو خمس سنوات تشمل السنة التمهيدية. وتركزت بعثات وزارة التربية في سنوات التأسيس الأولى للكلية على خريجي العلوم من حملة دبلوم التربية، لذلك يقضي الطالب فصلا كاملا يدرّس أثناءه في مدارس الوزارة.
بدأ مستوى الطلاب ينحدر بشكل ملحوظ منذ 1986 واستمر على هذه الوتيرة حتى 2000 وهذا ما استقيته من تجربتي الشخصية المبنية على متابعة مقرر كيمياء 323 الذي يعتمد على المهارات الذهنية إلى جانب مهارات الحفظ. وازداد بموازاة ذلك عدد الدرجات العالية (A وB) فأصبحت العلامة تشكل أداة ضغط على الطالب إذ إنه لا يتخرج إلا إذا كان معدله لا يقل عن C. أما عدم الاقبال على كلية العلوم في الآونة الأخيرة فيرجع السبب فيه إلى:
1- افتقاد المواد العلمية للتشويق.
2- عدم اهتمام الكلية بالتجديد إذ إنها لا تفعل أكثر من الاعتماد على سمعتها ككلية للعلوم.
3- عدم تغيير برامجها بما يواكب أوضاع المملكة.
4- الفائض في أعداد المدرسين من تخصص العلوم.
5- الاختيار العشوائي المعتمد في قبول الطلاب إذ إن خيار دراسة العلوم يشكل واحدا من 11 خيارا ينتقيها الطالب من بين التخصصات الموجودة في الجامعة عند التسجيل.
6- العدد المحدود للتخصصات الموجودة في كلية العلوم.
7- عدم خلق فرص عمل لخريجي الكلية وهو ما يحبط الشباب الراغب في التخصص بالكلية.
أضيف إلى ما سبق الأسباب التي ذكرها وهيب الناصر وعيسى الخياط في الورقة المقدمة إلى المؤتمر الخامس والعشرين للمنظمة العربية للمسئولين عن القبول والتسجيل في جامعات الدول العربية (أبريل2004) بعنوان «أسباب عزوف خريجي الثانوية عن الالتحاق ببرامج كلية العلوم بجامعة البحرين»، وهي:
1- عدم وجود فرص عمل بعد التخرج.
2- تأثر الطلبة بوسائل الإعلام.
3- صعوبة المقررات الدراسية.
4- عدم وجود ترويج كافٍ لبرامج العلوم من قبل الأقسام العلمية.
5- حصول الكلية على درجات متدنية.
يبلغ عدد طلبة الجامعة الآن 20 ألف طالب. وتعمل الجامعة على المحافظة على هذا المعدل لمدة أربع أو خمس سنوات على الأقل. ويخلص كل من يلقي نظرة سريعة على التخصصات الموجودة في كلية العلوم إلى أن هذه التخصصات تخصصات أكاديمية بحتة، تفتقد إلى الناحية المهنية/العلمية/العملية، كما تفتقد إلى المعرفة بالواقع المحلي. فالمناهج لم يتم صوغها في أية مرحلة كي توفر للطالب ما يسمح له بامتلاك المهارات الإبداعية المهنية أو حتى الإدارية.
ومع دخول البحرين عصر الإصلاح، وفي ضوء ما نص عليه الدستور والميثاق من انفتاح وتشجيع على استثمار العلم والتعليم في التنمية المستدامة وصناعة المستقبل، ومع الاستجابة لذلك بدخول البحرين في ثقافة الفورمولا 1 فإن شروطا جديدة ينبغي الحرص على التجاوب معها. وقررت وزارة التربية أن توظّف تكنولوجيا المعلومات والاتصال في جميع مراحل التعليم، وان تنتقل من ذلك إلى تطوير بيئة جديدة للتعلم الإلكتروني لمواجهة متطلبات التنمية الوطنية وللاستفادة من الفرص التي تتيحها المستجدات التكنولوجية، وخطة الوزارة في هذا السياق تهدف إلى تغطية المشروع من جميع جوانبه: المناهج، المدرسين، المباني... الخ، كما تهدف إلى نقلة نوعية في التعليم، من التقليدي إلى المستقبلي، وتهدف إلى توظيف التكنولوجيا في عمليات التعلم والتعليم لتزويد الأجيال الناشئة بالكفايات والمهارات اللازمة للانتقال إلى مجتمع المعلومات واقتصاد المعرفة. فهل تقف كلية العلوم مكتوفة الأيدي أمام التحدي الذي يأتيها من وزارة التربية والتعليم؟ وهل يعقل أن يأتي الطالب إلى الجامعة مزودا بكل آليات التعلم الإلكتروني ليجد أن غالبية أساتذتنا لايزالون يستخدمون اللوحة مع القلم؟ وهل نتوقع إذا بقيت الجامعة على ما هي عليه، إلا أن يكون الطلاب الذين سيلتحقون بها بعد سنة أو سنتين ضحايا للنظام الجامد الذي يعجز عن التحرك؟
اقتصاد المعرفة
تتنافس الدول العربية على أن تحتل موقعا بارزا ضمن الدول المنتجة للتكنولوجيا واقتصاد المعرفة. وأصبح قطاع التكنولوجيا أحد التخصصات التي تتنافس عليها الجامعات الخاصة والحكومية. يقول أبرز تقرير عن التنمية الإنسانية 2002: «المعرفة سلعة ذات منفعة عامة تدعم الاقتصادات والبيئة السياسية والمجتمعات، في جميع جوانب النشاط الإنساني».
ولكي يحصل الشباب البحريني على حق المعرفة يتوجب على كلية العلوم أن ترفع من مستوى الطالب، وأن تنشئ جمعيات عملية وبيئية تمكنه من اتخاذ القرار المتعلق باختيار المسارات العلمية التي تصل به إلى التفوق العلمي وترفع من مستواه الاقتصادي. وتوجد أربعة ركائز تسمح بتحقيق اقتصاد المعرفة هي:
1- أصبحت المعرفة كميّا ونوعيا أكثر أهمية مما كانت عليه، وعند المقارنة بينها وبين العمالة ورأس المال والمصادر الطبيعية فتكون هي الأكثر أهمية.
2- تعتبر المعرفة الآن إنتاجا، فهناك أنواع كثيرة تعتمد على منتجاتها.
3- المعرفة المشفرة (عكس المهارات) كعنصر هي الأهم من الناحية الاقتصادية.
وبنيت جميع اقتصادات العالم في كل الأزمنة على اقتصاد المعرفة، وذلك على رغم أن هذا المصطلح لم يستخدم إلا في عصر الثورة التكنولوجية. فمنذ العهدين الزراعي والصناعي اعتمدت الاقتصادات جميعها على اقتصاد المعرفة. ولا يمكن للمعرفة أن تتحول إلى إنتاج من دون أن يكون هنالك استثمار. أما وظيفة الاستثمار فهي توظيف المعرفة الجديدة بهدف الإنتاج. والجامعات هي التي تسهم في تنمية اقتصاد المعرفة.
لماذا الاعتماد على اقتصاد المعرفة؟
في المجتمعات الصغيرة والمجتمعات التي تفتقر إلى الموارد الطبيعية تستطيع المعرفة أن تخلق عوامل تنقل الإنسان من التخلف والفقر إلى التطور والغنى. فمن مميزات اقتصاد المعرفة الاهتمام بالتعليم وجودته، وبناء قدرة الإنسان على التفكير العلمي، أي خلق عنصر إنتاج من العنصر البشري. فالمعرفة هي حصيلة امتزاج بين المعلومة وبين الخبرة والقدرة على الإنتاج. وهذا ما يدفع بالجامعات ومؤسسات التعليم إلى:
1- اقتناء المعرفة: أي توفير البيئة الصالحة لنمو صناعة المعلومات.
2- الصناعة: عندما تترجم المعرفة إلى صناعة يعني أن التدريب عامل يجب على الجامعة أن تأخذه في الاعتبار.
3- الإنتاج: مخرجات التعليم تعني أن الطالب الذي تدرّب وتمكن من المعرفة لابد أن يكون إنتاجه جيدا.
من هنا نستطيع أن نعمل على تأهيل الطلاب، إذ يتم خلق قاعدة من المنتجات التي تتنافس عليها المؤسسات والشركات. وهذه المنتجات لابد أن تكون لها قاعدة واسعة، أعني قاعدة لا ترتبط بالأرض فقط، بل تمكّن المنتَج من العمل في أي مكان بصفته منتَجا. فلابد أن تكون هناك سرعة تأقلم مع المتغيرات وأن تخف حدة البيروقراطية التي يتسم بها العمل الأكاديمي. فالحاجة إلى إنتاج عناصر قادرة على التغيير والسرعة هي حاجة ملحة.
إن الكاميرا الرقمية التي نشتريها اليوم من الأسواق كأحدث ما تم إنتاجه ونعطي الدروس عن البؤرة والأشعة والعدسات... تصبح قديمة بعد مرور شهر على طرحها في السوق ويظهر منتج جديد ينافسها. هناك تحدٍ دائم يواجهه الطلاب يدفعهم إلى متابعة ما يمكن إنتاجه من المعرفة. فإذا انتظرنا لكي يتم تغيير المناهج والانتهاء من بيروقراطية اللجان والأقسام والكليات ومجلس الجامعة في سلسلة من الاجتماعات التي تستغرق ما يقارب السنة، فإن المعرفة تصبح في خبر كان. فلابد أن تكون هناك سرعة إنتاج وخلق عقول منتجة تدرك المتغيرات بسرعة أكبر من السابق.
إذن، كيف ننظر إلى التعليم انطلاقا من هذه المتغيرات:
1- التركيز على المناهج الإبداعية والمناخ التعليمي.
2- توفير أدوات التعليم القياسية التي تقيس جودة التعليم.
3- الشفافية تعتبر من أهم العناصر في اقتصاد المعرفة.
4- استقلالية المؤسسات التعليمية عن البيروقراطية.
5- ضخ الأموال التي تساعد على تطوير التكنولوجيا الإبداعية.
مساهمة الشركات في اقتصاد المعرفة
سنتطرق إلى هذا الأمر بتفصيل أكثر عند الكلام عن الفورمولا. ولكن تعزيز اقتصاد المعرفة يتطلب أن يكون هنالك تناغم وتوافق بين المؤسسات والشركات وبين التعليم، أي أن تكون مخرجات التعليم هي مدخلات المؤسسات، ومدخلات التعليم هي مخرجات المؤسسات. هذا التناغم بين الأخذ والعطاء يساعد على تنمية اقتصاد المعرفة، ولا يتوافر ذلك إلا إذا كانت هناك شراكة بين التعليم وقطاع العمل. وليس معنى هذا سيطرة أحد القطاعين على الآخر، فيستطيع قطاع العمل رفع الإنتاج عن طريق المتغيرات التي تحدث في العرض والطلب ويستطيع التعليم خلق المبادئ والأخلاق وأساسيات التعليم. ويؤدي هذا إلى:
1- ازدهار الأسواق في مجتمعات تعتمد على المعرفة.
2- تفاعل المؤسسات والشركات مع الجامعات في تفعيل اقتصاد المعرفة والتدريب والتوظيف.
ما هي صناعة الفورمولا 1؟
ما هي الفورمولا؟ ما عناصرها؟ وما فرص التعلم منها؟
الفورمولا هي صناعة سيارات السباق، وهي عبارة عن رياضة تجمع العلم والفن والهندسة. ويدخل في إطارها القانون والآداب أيضا، كما يدخل علماء الكمبيوتر ومصممو السيارات من خلالها إلى حلبة السباق يطورون هذه الصناعة ويعملون على تنميتها وهم يخلقون أفضل آلة سباق. واستحوذت هذه الرياضة على اهتمام الشباب عموما والرياضيين خصوصا. ويحتاج سباق السيارات إلى موازنة من الملايين الكثيرة. أما العمل في الفورمولا 1 فالعمل الجماعي، أي الفريق الواحد.
عندما نقول إن الفورمولا هي صناعة فمعنى ذلك أن هناك مواد أولية ومعدات وعمالا وعقولا تطور هذا المنتج. وأن هذا المنتج يخضع للدراسة حال خروجه من المصنع وذلك من أجل تحسينه وتوفيره في الأسواق بشكل مستمر. وهي لذلك صناعة مبدعة، علمية، ومستمرة.
سيارات الفورمولا تحمل أكثر من إبداع في العملية الهندسية. فهي سيارات يقودها رياضيون بسرعة 370 كم في الساعة، وهي مصنوعة من ألياف الكربون ما يسمح للجزء الخلفي من السيارة أن يعلو عن أرض الحلبة بضعة سنتيمترات فقط. وهي تستخدم الايروديناميكا لتوليد سرعة اندفاع قصوى تفوق 2 من وزنها، إذ تثبت على الأرض لحظة السباق، وعند 160 كم/ساعة تقاوم هذه السيارات وزنها بالقوة وكأنها تساق نظريا إلى أعلى الجبل.
ونعرف من المؤتمرات العلمية أن كبرى الشركات التي لها علاقة بهذا الموضوع أو ذاك، هي من يمول هذه الأنشطة العلمية. فيمكن مثلا أن يتم تمويل مؤتمر عن الكيمياء العضوية من قبل إحدى كبريات شركات صناعة الأغذية أو صناعة الملابس، لأن التغييرات التي تحدثها هذه المؤتمرات تصب في إنتاجية وتحسين هذه الشركات.
ويتوقع الاقتصاديون أن تستفيد قطاعات كثيرة في البحرين من الفورمولا مثل: الفنادق، المصارف، بطاقات الائتمان، شركات الطيران، المطاعم، قطاع الترفيه، الاتصالات، الصناعات التقليدية، قطاع البيع بالتجزئة، المرافق السياحية، والمواصلات.
كلية العلوم واقتصاد المعرفة
ليست كلية العلوم أو الهندسة وحدهما المعنيتن بسباق السيارات فورمولا 1 إذ ربما استطاعت جامعة البحرين بجميع كلياتها الاستفادة من هذا الحدث الاقتصادي. ولكنني أتناول كلية العلوم كنموذج أطرح من خلاله فكرة تغيير النمط السائد في التعليم الجامعي الذي انحصر في الفكر الأكاديمي البحت. فكلية العلوم تخفي في برامجها طاقات كبيرة لم تستغل بعد، وأجبرت كلية العلوم - لأسبابٍ تعود إلى تأسيسها كما ذكرت - على أن تلعب دورا واحدا فقط هو إنتاج هيئة أكاديمية تحتاجها المدارس الثانوية أو الجامعة. وفي الآونة الأخيرة عملت أعداد بسيطة من خريجيها في قطاعي الصناعة والاقتصاد، والسبب في كل ذلك هو فلسفة التعليم الجامعي.
بالإمكان قلب تشكيلة كلية العلوم الهرمية بحيث تشكل مخرجات سوق العمل قاعدة الهرم وتشكل الهيئة الأكاديمية والتدريس قمته. وعندها نستطيع تحريك الميزان بين القاعدة والهرم بحسب احتياجات المعرفة. ولكن هل بإمكاننا أن نعيد صوغ كلية العلوم بفلسفة جديدة لتخرج من دائرة التدريس الأكاديمي/التعليمي إلى دائرة أوسع هي دائرة خلق تخصصات من وحي برامج الفورمولا؟
كيف تبدأ صناعة الفورمولا؟
صناعة السيارات: التصميم، دراسة البيئة المحيطة بالحلبة، الشوارع وبيئة الإسفلت، الكمبيوتر للتصميم، دراسة الهواء المحيط بالجسم، الأوزان وأنواعها، الجاذبية، المواد الداخلة في صناعة السيارات، البطاريات، أنواع البلاستك المناسب للسيارات، محركات السيارات، الوقود، الاحتكاك، الضغط، الحرارة، الزيت وضغطه، ضغط العجلات، الحساب، الزمن، ألياف الكربون.
- حلبة السباق: البنية التحتية: مصارف وشوارع، الصوت وتأثيره على المناطق المجاورة، التلوث والبيئة، المخلفات العضوية، النباتات والحيوانات البرية، الاهتزازات، المعادلات الرياضية لحساب السرعة.
- الرياضيون: الغذاء والتغذية، الأسواق وحاجتها إلى المواد التي تدخل في الصناعة، ثياب الرياضيين، الأطباء، المسعفون.
- المشاهدون: أنواع القبعات وصناعتها، اللياقة البدنية، الثياب المناسبة لهذه الرياضة، المطابخ والمطاعم.
عندما صممت حلبة السباق في إسبانيا روعي فيها اختيار أفضل تصميم لأن المهندس أخذ في الاعتبار أن الجمهور الإسباني يفضل التجاوز على العرض وذلك لما فيه من إثارة على غرار ما في مصارعة الثيران من إثارة تشد المشاهد أكثر من العرض ذاته، فعمل على إنشاء زاوية حادة تتطلب مكابح متينة مزوّدة بمساحة واسعة مكسوة بالحصى لإبطاء سرعة السائقين الذين ينحرفون عن المسار. وساعد في هذا التصميم ووضع الخطط والتجارب كثير من طلاب العلوم والهندسة في جامعة برشلونة.
الخاتمة
عندما يتخرج طلاب مدارس التعليم المستقبلي الذي سيبدأ العمل به في السنوات القريبة المقبلة لا نتوقع أن يرغب جميعهم في تخصصات مثل الاقتصاد أو إدارة الأعمال أو المحاسبة أو الكمبيوتر فقط وإنما سيكون من بينهم من يرغب في دراسة الكيمياء والأحياء والفيزياء. ولذلك لابد لكلية العلوم أن تغير صورتها الأكاديمية من الآن إلى صورة الفورمولا. ولابد أن تربط نفسها بالمتغيرات التي يمكن أن تخلق الكوادر النابغة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة وذلك من أجل إعادة التوازن إلى الجامعة، حتى لا يبقى المال وحده ما يدفع إلى الدخول في عمل المعرفة وإنما العلم أيضا. وعلى العلماء أن يكتشفوا ظواهر موجودة ولكنها غير معروفة بالنسبة إلى الإنسان. الفورمولا هي فرصة إعادة هيكلة التخصصات لخلق قاعدة عريضة من العلوم، والفورمولا ما هي إلا نموذج الفرص التي لا نستغلها، فهناك صناعات كثيرة يمكن أن يستوعبها إعداد الطالب في كلية العلوم. وحينها لن يشتكي أحد من عزوف طلاب كلية العلوم عن تخصص العلوم.
عضو مجلس الشورى
العدد 653 - السبت 19 يونيو 2004م الموافق 01 جمادى الأولى 1425هـ