أجمل ما قرأت في باب تشريع «الخمس» هو ما طرحه الشيخ محمد جواد مغنية في موسوعته الفقهية «فقه الإمام الصادق». كان في أطروحته يحمل رؤى نقدية لطبيعة التعاطي مع الخمس. يقول السيدمحمدباقر الصدر في كتابه «اقتصادنا» إن الخمس إنما شُرِّع من أجل أن يحد أيضا من تضخم رأس المال لدى الأغنياء فهو ضريبة من أجل أن يكون للفقراء من السادة نصيب في هذا المال.
طبيعة التشريع الإسلامي تأتي في سياق الحد من الارستقراطية والقضاء على الطبقية في المجتمع. الإسلام يشجع على التجارة، وروايات كثيرة - راجع بحار الأنوار للمجلسي - تستحث المسلم على العمل في التجارة لهذا كانت خديجة ورسول الله (ص) يعملان في التجارة لكن في المقابل يعمل الإسلام على رفعة الفقير أيضا، فالإسلام يعمل على دفع الغني نحو الغنى المقنن ويفرض عليه أن يرفع معه الفقراء ولذلك شرع الزكاة الواجبة وزكاة الفطر والزكاة المستحبة وكذلك شرع الخمس. إن بإمكان الخمس إذا ما أحسن استخدامه أن يسهم في خدمة البشرية والعمران ووفق الأطر الشرعية، وذلك لا يكون إلا عبر مؤسسات تدار برعاية الفقيه العادل. هذه مقدمة تقودني إلى قراءة موضوعية لأداء السيدمحمدحسين فضل الله وكيف استطاع أن يخلق مؤسسات علمية ومشروعات اقتصادية ضخمة من الخمس وغير الخمس أيضا، هذه المؤسسات ساهمت في رفع الآلام عن كاهل الكثير من المواطنين اللبنانيين، إذ استطاع السيد أن يوفر مئات الأعمال عبر مؤسساته وكذلك استطاع أن يعطي دفعة قوية للتعليم في لبنان عبر فتحه المدارس والمعاهد وكذلك انعكس أداؤه على مستوى القطاع الصحي بتأسيسه المستشفيات ذات الدرجة العالية من الكفاءة. كما أنه أنشأ مبرات خيرية للأيتام اللبنانيين، كما ان هذا الرجل عمل على تأسيس معاهد مهنية وتقنية في لبنان ومؤسسات ترعى المواطنين ذوي الاحتياجات الخاصة فأسس مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية في بيروت طريق المطار. ان عالم الدين بإمكانه أن يحمل هموم الناس وآلامهم وبإمكانه أن يرفع عن كاهل الناس الفقر. ولكن شريطة أن يتعاطى مع الواقع بوسطية وبفكر منفتح وبتأصيل ديني متين لهذا بإمكاننا أن نبني هذه القرى وهذه المدن التي تعيش فقرا وجوعا بتوظيف فريضة الخمس - وفق الإطار الفقهي - بالأسلوب المؤسساتي وأن يكون ذلك تحت مظلة الفقيه أيضا، ولكن السؤال: لماذا استطاع الخمس أن يبني لبنان ويبني إيران ويبني معاهد ومستشفيات ومراكز كبرى في باكستان والهند وحتى في لندن وأوروبا لكن ضعف في الخليج؟ لقد أصبح جزء من الخليجيين لا يرون ثمرا لغالبية ما ينفقونه. وحتى نكون علميين، سأطرح هنا مشروعات رجل دين واحد هو السيدمحمد حسين فضل الله، هذه الشخصية العملاقة، لنرى ماذا فعلت في لبنان بمشروعاتها الكبرى؟ لقد قام السيد بتأسيس:
1- مبرة السيدة خديجة ومعهد السيدة سكينة المهني للفتيات، يوجد في بيروت طريق المطار.
2- قام بتأسيس مدارس من الدرجة الأولى: ثانوية الإمام الجواد في البقاع، كما قام بتأسيس مدرسة الإشراق في الجنوب في منطقة بنت جبيل، وثانوية الرحمة في النبطية في الجنوب، وأيضا أسس ثانوية المجتبى في بيروت في حي السلم، وأنشأ معهد علي الأكبر المهني والتقني وهو من أروع المعاهد في بيروت تقنية، كذلك أسس ثانوية الإمام الحسن في بيروت في منطقة الرويس وتهافت عليها الكثير من المواطنين وخصوصا في ظل الأسعار العالية للدراسة في منطقة بيروت. كذلك قام بتشييد مبنى ضخم هو عبارة عن مبرة ومدرسة أيضا ولاشك أن هذه المبرة حدت من خطورة ضياع الأيتام وهي موجودة في الجنوب في جويا.
في الحقيقة هناك عدد كبير من المؤسسات ومن مدارس ومبرات خيرية ومعاهد وكذلك مستشفيات (مستشفى الرسول الأعظم). وقد أنشأ مطاعم ضخمة أيضا في بيروت والخليج وكان آخر مطعم هو مطعم كبير يرده كبار الشخصيات في بيروت ويقال إن كلفته كانت كبيرة جدا، هذا عدى عن إذاعة و... الخ. قمت برصد المدارس والمعاهد فوجدتها بلغت 17 مؤسسة عدا عن مؤسسات لم أستطع الكتابة عنها. ما أريد قوله هو ان رجل الدين إذا أصبح ذا عقلية منفتحة اقتصاديا وعلميا وفقهيا، بإمكانه أن يصنع المستحيل لأمته، وهذا يجعلني أدخل في موضوع مهم، وهو لماذا لا نطبق الأسلوب ذاته الذي اتخذه السيدفضل الله في إنشاء المؤسسات في البحرين تحت مظلة فقهية وغطاء فقهي يتم مع الفقهاء لنخدم هذا المجتمع الفقير سواء عبر فريضة الخمس، فخمس الـ 5 ملايين مليون، أو غير ذلك. كما بإمكاننا لو أننا وقفنا وقفة واحدة مطالبين بحل ملف الأوقاف الجعفرية فهو مليء بالملايين ومئات الأراضي والمباني والمزارع وعقارات بإمكاننا استثمارها لصالح ما أوقفت له وكذلك يستفيد المجتمع منها. الاسكان مطالبة بالتعويض عن الأراضي التي أخذت سواء في الشاخورة أو غيرها ولا جدال في ذلك، فالوقف لا يسقط بالتقادم. أتمنى من الناس والتجار والمؤسسات أن يقفوا مع هذه المشروعات وأن يفكروا جديا في هذا الأمر
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 653 - السبت 19 يونيو 2004م الموافق 01 جمادى الأولى 1425هـ