«متى أشم تراب وطني؟»... سؤال كبير وحائر كرره الشاب هاشم سيدكاظم جواد قاهري على مسامعنا أكثر من مرة عندما حاورناه من محل غربته في إيران، ليروي لنا قصة عاطفية تتشابك فيها عناصر الشوق والغربة والمعاناة، إنها رحلة سيدهاشم للعودة إلى وطنه البحرين، وعلى رغم كل العثرات فإن قاهري يصر على أن مطلبه ليس بعيد المنال.
يقول قاهري: في البداية «ولدت من أبوين بحرينيين توفيا في إيران وهما يحملان جوازهما البحريني بالولادة، الأمر الذي جعل أبناءهم يحتفظون بجنسيتهم البحرينية إلى درجة أنهم لم يطلبوا الجنسية الإيرانية، بدأت القصة عندما أضافني والدي إلى جواز والدتي التي ظلت تتنقل بين البحرين وايران.
لكن القصة -يضيف قاهري- سلكت منعطفا دراماتيكيا عندما قامت والدتي بزيارة ذويها في إيران، وتوفيت هناك أثناء فترة الحرب العراقية الإيرانية، ولحقها الوالد بعد مدة ليست بالطويلة إثر مرض مزمن، كاتبين بذلك أول فصول معاناتي».
ويضيف قاهري - الذي يعيش أهله في البحرين - «بعد المكرمة الملكية التي أصدرها عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بعد توليه سدة الحكم، والتي تمثلت بتسهيل السماح لعودة البحرينيين في الخارج، عاد إخوتي في إطار هذه المكرمة إلى البحرين بعد ملئهم استمارات العودة، واستكمال الإجراءات المطلوبة تماما كما فعلت».
لم يتحقق حلمي
لكن لسوء القدر لم يتحقق حلمي الكبير في العودة إلى البحرين كبقية إخوتي، بعدما ظلت إجراءات عودتي معلقة بين سفارة البحرين في طهران وإدارة الجنسية والجوازات ووزارة الخارجية في المملكة».
كما كانت لنا وقفة مع المواطن البحريني أحمد إبراهيم أحمد - الذي حمل على عاتقه هذا الملف - في تفاصيل هذه القصة، إذ قال «لقد قمت بزيارة علاج للجمهورية الإسلامية الإيرانية في العام 2000م. وفي الفندق الذي سكنت فيه أثناء وجودي هناك، تعرفت على صديقي قاهري البحرينيين زهير الحايكي وسيدضياء شبر اللذين يعرفان عائلة قاهري وقضيته أكثر مني».
مضيفا «طلبت من الأخ زهير تحديد لقاء مع سيدهاشم، والتقيته فعلا، واخبرني عن قصته، مؤكدا أنه بحريني الأبوين، وأوضح لي أنه يمتلك مستندات تثبت أصله البحريني، وهي المستندات ذاتها التي يملكها اخوته الذين عادوا الى البحرين عن طريق التنسيق مع السفارة البحرينية في طهران، واخبرني انه ذهب الى السفارة - على رغم المسافة الكبيرة بين محل إقامته في شيراز ومقر السفارة بطهران - للاستفسار عن سبب استثنائه من قرار العودة كبقية أشقائه بحجة أن إجراءات العودة لم تأت من البحرين».
دوامة المسئولين
ويردف إبراهيم الذي بدت على محياه علامات التأثر «تأثرت كثيرا بهذه القصة ذات البعد الإنساني والوطني، وقررت بعدها أن احمل هذا القضية الى كل من يتسنى لي إيصال الملف إليه، وذهبت الى إدارة الهجرة والجوازات برفقة احد أصدقائه الأخ أنور الحايكي، وتحدثنا مع المسئول بالإدارة إبراهيم بوعسلي الذي أحالنا على موظف آخر بالإدارة ذاتها ويدعى عبدالرحمن عبدالله، ونصحنا بالتوجه إلى المستشار القانوني بالإدارة جمال زكي، وحولنا إلى الموظف بوزارة الخارجية عبدالحسين كاظم الذي عرضنا عليه القصة، وقام مشكورا بالبحث عن رقم الطلب، ولم يتوصل إلى نتيجة، وطلب منا التوجه الى بوعسلي مرة أخرى لعمل طلب جديد بحجة فقدان الطلب القديم».
مضيفا «وطلبنا من كاظم عمل طلب جديد، يبعث به الى إدارة الهجرة والجوازات مرفقا بالمستندات المطلوبة، وعندما تحدثت مع كاظم قام بإصدار كتاب جديد بتاريخ 12/10/2002 م تحت رقم (19831 12-4-11)، وأرسله الى إدارة الجوازات».
بعد فترة بسيطة تحدثت مع الأخ عبدالحسين، وأفاد بأن دائرة الشئون القانونية بإدارة الهجرة تسلمت الكتاب فعلا، وتم تحويله الى مكتب المقدم خالد المعاودة الذي سافر الى إيران لإنهاء إجراءات المبعدين آنذاك (...) انتظرته الى حين عودته من إيران، وقابلته أنا وأنور وأكد لنا بالحرف الواحد «معاملة قاهري موجودة على المكتب، ولكنني لا أستطيع اتخاذ أي أجراء في هذا الموضوع!»، وحاولت أن أعرف السبب في ذلك، ولكن من دون جدوى!».
ويتابع إبراهيم «وبعد عجزنا عن إحداث تقدم مع الجهات الرسمية، قررنا نقل بوصلة الملف الى مؤسسات المجتمع المدني، واجتمعنا في بداية الأمر مع إبراهيم الغزال (جمعية الميثاق) الذي استكمل المعلومات المطلوبة بعدما أحطناه علما بالقضية، وقام بعرضها على اللجنة المعنية للتنسيق مع الديوان الملكي، وتم فعلا إدراج اسم قاهري ضمن القائمة المرفوعة إلى جلالة الملك (...) ثم واصلنا المشوار مع نائب رئيس الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان سلمان كمال الدين الذي قال ان الأمر لا يقتصر على سيدهاشم وحده، ولكن يشمل عائلتي قاهري وقاروني».
آلية جديدة
«الوسط» اتصلت بسلمان كمال الدين وعلق على هذا الملف بالقول: «لقد تم حل الجزء الأكبر من قضية المبعدين بالخارج، والحالات المتبقية معظمها فردية، ولكن بعد مناقشة مجلس النواب لقضية التجنيس، تم إرباك هذا الملف (...) وبعد لقائنا وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة نأمل وضع آلية جديدة لتحريك هذا الملف مع الجهات المعنية، ونحن نوجه دعوة الى كل من يعتقد بأحقيته ويمتلك المستندات إلى مواصلة المشوار مع الجمعية بغية طي هذا الملف بشكل كامل».
نداء إلى ملك القلوب
ويمسك إبراهيم بأطراف الحديث مرة أخرى «بعد كل تلك المحاولات السابقة والتردد على المؤسسات الرسمية والحقوقية، اتخذنا القرار باللجوء الى صحيفة «الوسط» لنشر هذه القضية في الصحافة المحلية، وإطلاع جميع المسئولين والرأي العام البحريني علنا نفلح هذه المرة في اسدال الستار على معاناة هذه الأسرة البحرينية إما الموافقة على عودة السيدهاشم الى وطنه، أو الرفض مع إيضاح مسوغات هذا القرار، وسنترك كل المستندات الثبوتية في الصحيفة».
ويختتم إبراهيم حديثه معنا بالقول: «من خلال صحيفة «الوسط» التي تعبر عن نبض المواطن البحريني وتترافع عن همومه نتوجه بأصواتنا الى عاهل البلاد المفدى حفظه الله، الذي ندرك أنه لن يألو جهدا في إصدار أوامره بلفتة كريمة للسماح بعودة هذه الأسرة الى وطنها إذ تنتظر بفارغ الصبر لحظة تقبيل تراب البحرين».
- من مواليد العام 1968م، وملحق بجواز والدته.
- استمارة عقد زواجه تثبت انه بحريني الجنسية.
- شهادة وفاة والده في العام 1997م موثقة من قبل السفارة البحرينية في طهران، ومذيلة بتوقيع القنصل البحريني.
- رسالة من وزارة الخارجية الإيرانية مبعوثة الى السفارة البحرينية بتاريخ 24/11/2001م تفيد انه ليس لديه جواز سفر أو جنسية إيرانية.
- صوت على «الميثاق» في مقر السفارة البحرينية بطهران من خلال جواز والده.
- آخر عنوان سكن في البحرين كان في منزل والده بمنطقة عالي بحسب ما أشارت إليه استمارة العودة. ومقيم حاليا بمحافظة شيراز بإيران.
- أشقاؤه يملكون جنسية بحرينية ويعيشون في المملكة.
- «الوسط» اتصلت بالقنصل البحريني في طهران، وأفاد أن السفارة نقلت ملفات البحرينيين الموجودين في إيران كافة الى الجهات المعنية في البحرين قبل ثلاثة أعوام.
- رئيس العلاقات العامة بالهجرة والجوازات ناصر الذوادي أشار إلى أن القضية تخص دائرة الشئون القانونية.
- الموظف بوزارة الخارجية عبدالحسين كاظم أوضح أن دور الوزارة تنسيقي بحت بين سفارات المملكة في الخارج والوزارات في البحرين.
جميع الوثائق والمستندات الثبوتية متوافرة لدى الصحيفة
العدد 653 - السبت 19 يونيو 2004م الموافق 01 جمادى الأولى 1425هـ