قال مسئولون في سلطة الاحتلال الأميركي في العراق إنه مع بقاء نحو أسبوعين فقط قبل تسليم السلطة رسميا للعراقيين في 30 يونيو/ حزيران، فإن نقل السلطة استكمل بأكثر من النصف. وقال الناطق باسم سلطة الاحتلال، دان سينور للصحافيين في واشنطن يوم الثلثاء إن نحو 60 في المئة من الحكومة العراقية المؤقتة نقل إلى إشراف عراقيين.
وفي الوقت الذي تستعد فيه واشنطن لتسليم السلطة فإن الحاكم الإداري العسكري الأميركي بول بريمر ومسئولين آخرين في سلطة الاحتلال، قاموا بسرعة ببناء مؤسسات تعطي الولايات المتحدة دعائم قوية للتأثير على كل قرار مهم تقريبا ستتخذه الحكومة العراقية المؤقتة.
ففي سلسلة من المراسيم الملزمة صدرت في الربيع الماضي أوجدت سلطة الاحتلال المؤقتة لجانا جديدة تستحوذ - بصورة فعالة وواقعية - على كل السلطات تقريبا التي كانت تتولاها ذات يوم وزارات عدة. فقد أنشأت سلطة الاحتلال منصبا مهما لمستشار جديد للأمن سيتولى الإشراف على تدريب وتنظيم جيش العراق الجديد والقوات شبه العسكرية، كما أنها أوجدت مؤسستين رقابيتين ستعملان ككابح للوزارات كلا على انفراد ولإتاحة المجال للإشراف الأميركي المستمر. وفي الوقت نفسه فإن سلطة الاحتلال أكدت مجددا أن مستشاري الاحتلال سيظلون في الواقع في كل الوزارات المتبقية بعد تسليم السيادة.
وأكد سينور ذلك بالقول انه «على رغم أن العراقيين سيتولون المسئولية عن وزارات منفصلة وأن أكثرية العمال سيكونون عراقيين فإنه سيكون هناك مستشارون من التحالف لتقديم المساعدة الفنية بعد التسليم في 30 يونيو. وعلى سبيل المثال فإن الـ 11 ألف موظف في وزارة الزراعة سيكون لديهم خمسة مستشارين من التحالف. فيما سيكون لوزارة الكهرباء بموظفيها الـ 45 ألفا تسعة مستشارين».
وقال سينور انه حتى الآن فإن 15 وزارة من الوزارات الـ 26 التي أنشئت حديثا أصبحت تحت سيطرة عراقية وأن الـ 11 وزارة المتبقية ستسلم إلى عراقيين في غضون الأسبوعين المقبلين.
والوزارات التي سلمت هي النفط، الخارجية، الصحة، التعليم ، الأشغال العامة، البلديات، العلوم والتكنولوجيا، الزراعة، التشرد والهجرة، الثقافة، الموارد المائية، الصناعة والمعادن، التخطيط والتنمية، الشباب والرياضة، البيئة والنقل. أما الوزارات التي ستسلم فيما بعد فهي الدفاع، الداخلية، العدل، التعليم العالي، الكهرباء، الاتصالات، حقوق الإنسان، الإسكان والإعمار العمل والشئون الاجتماعية والتجارة.
وفي حالات كثيرة فإن أميركيين وعراقيين يعملون بالوكالة لصالح الولايات المتحدة سيخدمون لسنوات كثيرة وستكون لهم سلطات مهمة لإدارة التحقيقات الجنائية ومنح العقود وتوجيه القوات واستدعاء المواطنين أمام القضاء للإدلاء بالشهادة. وستكون للحكومة العراقية سيطرة قليلة على قواتها المسلحة وستفتقر إلى القدرة على وضع أو تغيير القوانين وستكون غير قادرة على اتخاذ قرارات رئيسية داخل الوزارات من دون موافقة ضمنية من الولايات المتحدة، وهذا ما يقوله مسئولون أميركيون وآخرون مطلعون على الخطة الأميركية.
ويحذر عراقيون مرتبطون بالاحتلال الأميركي من ذلك، إذ قال المسئول السابق لوزارة الاتصالات العراقية حيدر العبادي إن تنصيب حكومة لا تستطيع اتخاذ قرارات مهمة إنما يجمد البلاد في مكانها. وأضاف «إنها إذا كانت حكومة عراقية ذات سيادة ولا تستطيع تغيير القوانين أو اتخاذ القرارات فإننا لم نكسب أي شيء».
ويقول المسئولون الأميركيون ان تحركاتهم وخطواتهم ضرورية لمنع حكومة مؤقتة غير منتخبة من اتخاذ قرارات بعيدة المدى ستجد حكومة منتخبة فيما بعد من الصعوبة إلغاؤها عندما تتولى سلطاتها العام المقبل، كما أنهم قلقون أيضا من أن الحكومة المؤقتة قد تعقّد العملية الانتقالية من خلال المناورة للبقاء في السلطة حتى بعد أن تنتهي فترة ولايتها.
ويذكر أن ملحق قانون الإدارة الانتقالي في العراق الذي يعتبر بمثابة الدستور المؤقت الذي أصدره بريمر وسيكون ساري المفعول اعتبارا من تسليم السلطة في 30 يونيو إلى حكومة عراقية ذات سيادة حتى سن دستور دائم في ديسمبر/ كانون الأول 2005، يحدد سلطات الحكومة المؤقتة التي ستحكم العراق من 30 يونيو حتى تتولى حكومة انتقالية ستنتخب في موعد أقصاه 31 يناير/ كانون الثاني 2005، مهماتها. وقد أصدر مجلس الحكم العراقي الذي عينته الولايات المتحدة الملحق كآخر عمل له قبل حله في الأول من يونيو. ويعطي الملحق الحكومة الانتقالية السلطة لإصدار مراسيم لها قوة القانون ولكنه يبين أنه يجب عليها أن «تمتنع عن اتخاذ أية إجراءات تؤثر على مصير العراق بعد الفترة المؤقتة المحدودة، كما أنه يمنعها من تعديل قانون الإدارة الانتقالي. ويمنع الملحق الحكومة المؤقتة من إبرام اتفاق بشأن وضع القوات مع قوات أجنبية. وهذا يتطلب أن يبحث الأمر من جانب الحكومة الانتقالية. كما أن كل القرارات التي صدرت بمرسوم من بريمر تعتبر ملزمة للحكومة المؤقتة.
ويرى خبراء أن الأمر الأكثر وضوحا هو أن أعمال الحكومة العراقية ستكون على الأرجح متأثرة إلى حد بعيد بعشرات الأشخاص المعينين من الأميركيين والعراقيين على كل المستويات تقريبا. ففي شهر مارس/ أذار الماضي أصدر بريمر مرسوما مطولا يعزز السيطرة على كل القوات العراقية وقوات الأمن تحت سلطة وزارة الدفاع التي يتولاها حاليا الشيخ حازم شعلان. ولكن توجد عبارة واحدة مدفونة هي مرسوم «طوارئ» يعطي «السيطرة العملياتية» على كل القوات العراقية إلى قادة عسكريين أميركيين كبار في العراق وسيكون باستطاعة العراقيين تنظيم الجيش وإجراء تعيينات للضباط وعقد دورات لضباط جدد وقوات خاصة، ولمحاولة تطوير القوانين والسياسات للسيطرة على القوات ولكنهم لا يستطيعون فعلا إصدار أوامر لهذه القوات للدخول في معارك أو الخروج منها، فهذه السلطة ستكون في يد القادة الأميركيين فقط. وسيتولى الجنرال الأميركي ديفيد بيتروس المسئولية عن الجيش العراقي، بحيث لا يبقى للمسئول العراقي عن الدفاع إلا «الإشراف الإداري» على القوات فقط.
وفي الوقت نفسه فإن وسائل الإعلام العراقية التي أوجدها بريمر ستتولى جمع رسوم إصدار التراخيص لوسائل الإعلام وتنظيم شركات التلفزيون والهواتف وإعلاق وكالات جديدة والحصول على اعتذارات مكتوبة من الصحف ومصادرة معدات النشر والبث الإذاعي والتلفزيوني. وأن أحد هذه الوكالات الرقابية الجديدة وهو «مكتب المفتش العام» سيكون له موظفون معينون من قبله داخل كل وزارة عراقية يتولون مهمة محاربة ما يسميها الأميركيون التجاوزات والخداع (في إشارة إلى الفساد) من جانب المسئولين العامين. وهؤلاء المفتشون المعينون لمدة خمس سنوات سيسمح لهم باستدعاء شهود، والحصول على وثائق وإجراء تدقيق حسابات قضائي وإصدار تقارير سنوية. واللجنة الرقابية الأخرى هي مجلس مراقبة الحسابات الأعلى الذي سيتولى مراقبة مجموعة من المفتشين الآخرين الذين يتمتعون بسلطة واسعة النطاق لإعادة النظر في العقود الحكومية والتحقق مع اية وكالة تستخدم المال العام. وقد عين بريمر رئيس المجلس ونائبيه ولا يمكن إزاحتهم من دون تصويت بثلثي أعضاء البرلمان الذي من غير المنتظر أن يقام إلا في العام المقبل.
وسيكون معظم المستشارين داخل الوزارات من الأميركيين، بينما يكون المفتشون وأعضاء مختلف اللجان الجديدة عراقيين. وعلى رغم أن باستطاعة الوزراء العراقيين (نظريا) طرد مستشاريهم، ولكن المسئولين الأميركيين يفترضون أنهن سيترددون في القيام بذلك خشية رد الفعل الأميركي ضدهم.
وسيكون مركز العصب للوجود الأميركي في العراق بعد 30 يونيو، السفارة الأميركية الجديدة الضخمة في بغداد التي قررت سلطة الاحتلال أخيرا استخدام القصر الجمهوري في المنطقة الخضراء مقرا لموظفيها الذين يصل عددهم إلى 3000 شخص، من بينهم 1300 أميركي برئاسة السفير جون نيغروبونتي فيما تعتزم الولايات المتحدة تحويل مبنى مجاور إلى سفارة رسمية يستطيع نيغروبونتي استخدامه للإجراءات الاحتفالية الرسمية.
من جهة أخرى قال سينور: إنه على رغم ما أسماه «التقدم» فإن الاحتلال الأميركي - البريطاني في العراق يتوقع المزيد من أعمال المقاومة «في الأيام التي تسبق تسليم السلطة في 30 يونيو» وأنه يتوقع أن يقوم من أسماهم «المتشددين المؤيدين للنظام السابق والمقاتلين الأجانب والإرهابيين الدوليين» بمحاولات عرقلة تسليم السيادة، وقال «علينا أن نتوقع العنف ونستعد لمقاومته». وأضاف أن إحراز التقدم سيستمر وان العراقيين يتحركون قدما للسيطرة على حكومتهم على رغم العنف، وأن العراقيين أوضحوا لنا بأنهم لا يريدون إبطاء هذه العملية التي بدأت بصورة جادة قبل أسابيع
العدد 652 - الجمعة 18 يونيو 2004م الموافق 29 ربيع الثاني 1425هـ