عدد من الممارسات غير الحسنة التي كانت تنتشر في تسعينيات القرن الماضي بدأت تعود إلى واقعنا البحريني، سواء ما يتعلق منها بأحداث العنف «المدانة» أو بعض التصريحات الرسمية «المقطرة». فواحدة من تلك الممارسات هي انفتاح عدد من المسئولين بمقابلات وتصريحات على وسائل الإعلام والصحافة خارج البحرين، ومن ثم «تقطير» تلك التصريحات للساحة المحلية.

من جانب، فإن بعض المسئولين ربما يريدون القول بأن التفاهم مع الخارج أفضل من التفاهم مع الداخل، ومن جانب آخر، فإن إطلاق التصريحات المملوءة بالمعلومات الخاطئة يعتبر نوعا من الحرب النفسية التي تستخدم الإشاعة وسيلة لنيل أهداف سياسية.

على أن جانبا مهما من إرسال التصريحات إلى الخارج بدأ يتوضح أكثر، إذ يبدو أن هناك «تطورا» تدريجيا نحو خلق «ايديولوجية» رسمية... فالمعروف عن البحرين أنها كانت تتسم بالليبرالية من الناحية الثقافية والاجتماعية، على الرغم من اتسام سياستها بالنمط التسلطي أيام قانون أمن الدولة. ولكن حاليا يبدو أن هناك محاولة لتركيب «ايديولوجية» رسمية ورواية غير صحيحة لتاريخ البحرين مؤسسة على الخرافات التي يحاول البعض فرضها قسريا.

مثل هذه «الايديولوجية» تطرح وجهة نظر ناقصة علميا ولا يحتاج نقضها إلى الكثير من العناء، خصوصا وأن هناك وثائق رسمية صادرة من الجهات الرسمية (سابقا) تخالف كل ما يقوله بعض المسئولين حاليا. فشعب البحرين لم يتكوّن في ثلاثينيات القرن الماضي، ولم يتكون في تسعينياته، ومعالمه التاريخية لا يمكن إخفاؤها أو تغييرها بحسب المزاج السياسي.

وعلى الرغم من أن الطرح «الايديولوجي» الناقص علميا ليس له موقع من الإعراب، ولا يعتدّ به أصلا، إلا أنه يثير المخاوف من أن هذه الأقاويل قد تتحوّل إلى سياسة ممنهجة مؤسسة على قيم مخالفة لميثاق العمل الوطني والدستور وكل المعاهدات الدولية التي تنصّ على احترام الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... وجانب من الحقوق الثقافية هو الاعتراف بحق فئات المجتمع أن تحتفظ بتاريخها، وهذا يعني القبول بالتعددية في الطرح، وترك المجال للبحث العلمي وحرية الرأي لإغناء المجتمع حضاريا.

وعليه، فإن الخشية من العودة غير المحمودة لتقطير تصريحات رسمية من الخارج إلى الداخل هي أن تكون هذه المرة ضمن مشروع « أدلجة» ، وهو أمر مؤسف، لأن العالم انتقل بعد سقوط كبريات الدول الشمولية من الطرح الايديولوجي الرافض للاعتراف بالآخر، إلى الطرح التعددي الإنساني الذي يرشد سياقات العمل الوطني من خلال تفاعل الأفكار مع التاريخ (بمختلف رواياته)، ومع الواقع بحلوه ومره، ومع المستقبل بنظرة تقدمية للحياة الإنسانية.