العدد 651 - الخميس 17 يونيو 2004م الموافق 28 ربيع الثاني 1425هـ

حزب الله ويوتوبيا الاتهام

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كنت في أحد الحوانيت أقف واجما وأنا اسمع مُحدّثي وهو يصف قناة «المنار» اللبنانية بأنها كانت (ومازالت) المُدافع الأول عن نظام صدام حسين وجرائمه البشعة! كان كلامه ينمّ عن حقد دفين يعود إلى تواريخ سحيقة من التحزب (السلبي) تحت لواء اليُسرويّة والماركسية التي لا أرى أي دافع لدي لمعاداتها أو أخذ موقف سلبي بالمطلق ضدها، وخصوصا أنها وفي فترة شموخها السياسي دافعت كثيرا عن قضايا الشعوب، في حقبة الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

محدثي لم يُكمل كلامه بعد، فقد أضاف أن قناة «المنار» و«حزب الله» هما صنيعة بعثية ما فتآ يُدافعان عن نظام البعث البائد وزعيمه حامي البوابة الشرقية! وأيضا لم تكن هذه القناة تُدافع عن قضايا العراق ولا المعارضين منه في المنفى أو تستضيفهم على شاشتها! ثم خرج باستحقاق مُؤكّد وهو أن القناة والحزب ما هما إلاّ بوق لإحدى الأنظمة في المنطقة (ويقصد بها إيران)!

بعد كل هذه المحاضرة القيّمة في السبّ والتشهير والقذف بغير وجه حق، قلت له: «إنني قد أعجز عن الرد على مثل هذه التخرصات المُخزِية، فأنا لا أجد مُتسعا من الوقت لأن أصحح مثل هذه السيكولوجيات المريضة والعقول المُكبّلة بموروثات عهدوية ميّتة صار رجالها ومُنظروها الآن يُعيدون النظر في الكثير من أدبياتها وأفهامها التي كانت رائجة. ثم إنني لا أجد من هذا الكلام غير فضاء من التفكير المسكون بالخوف من التجارب الناصعة للقوى والتيارات الأخرى، وخصوصا «حزب الله» المقاوم الذي لا يحق لأحد أن يبخسه حقه ومنجزاته الوطنية والعربية والإسلامية، والتي أثنى عليها حتى العدو نفسه.

ثم أي ربط هذا الذي يُحاول «مُنَظّرنا» أن يقوم به بين صدام السفاح وتاريخه الموبوء وبين حزب الله الإباء والتضحية ذي التاريخ النظيف. ثم ما هي العلائق والوصلات بينهما، فلا المذهب ولا العقيدة الحزبية ولا الايديولوجية أو التوجه السياسي يتطابقان.

إن مجموعة من التراكمات والتأسيسات جعلت من مُنظّرنا يقول ما قال ويسوقها جزافا؛ أولها الموقف الحِدّي من الدين أو الإسلام السياسي (الذي كان ينتهجه الماركسيون التقليديون) ومن تجاربه العملية كتجربة النظام الإسلامي في إيران وحزب الله - لبنان، وخصوصا أنه يعتقد أن حظه من التجارب لم يعد شيئا يُذكر بل هي مبعثرات من الإرث التاريخي الذي ما فتئ يتغنى به إلى حد «الأسطورة» والنرجسية، وهي مأساته ومأساة أقرانه من ذوي التفكير الأعوج.

وإذا كان الأمر يتعلق بمناكفة إسلامية يسارية - تقليدية، فيجب ألا نستحي من أن نُصرّح بأن الكثير من تجارب الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي قد فشلت، بل وربما انعكس فشلها على صورة الدين والفكر الديني، إلاّ أننا يجب أيضا ألا نستحي أيضا عندما نقول إنه وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي برزت الكثير من دراسات النقد للتيار اليساري التقليدي في العالم العربي، أفضت به إلى طُرق مسدودة وإلى أزمة حقيقية؛ وخصوصا الأزمة الفكرية لتلك القوى وعدم أصالة أطرها، باستعارتها المفاهيم والقوالب الماركسية والكلاسيكية من دون الاجتهاد في نقدها وتطويرها لتتلاءم مع الواقع العربي، في الوقت الذي يخضع فيه التراث الماركسي في دول الأصل للنقد والتجديد والمراجعة. كما أن نزعة التدين لدى قطاعات واسعة من الشعب العربي جعلت إمكانات تقبّل الفكري الماركسي وتجذره في الوعي الجماعي العربي محدودة، فالماركسية والشيوعية ترتبطان في ذهن العامة بالكفر والإلحاد، وخصوصا في ضوء حملات التشهير المستمرة التي مارستها الولايات المتحدة الأميركية في فترة الحرب الباردة وكذا النظم الحاكمة ضد اليسار، وعليه فإن تقوّلات «مُنظّرنا» تزيد من رسوخ تلك الأفكار المُروَّجة ضد اليسار في أذهان الناس، الذين لا أشك بأنهم يكنّون كل الحب والاحترام لتجربة حزب الله السياسية والعسكرية.

كما أن الأزمة التنظيمية هي أيضا من الأمور الواضحة في هذه القضية، وتتمثل في تعدد القوى والتنظيمات اليسارية وتشرذمها وتقوقعها داخل أطر ضيقة، ما أدى لعجزها عن التغلغل في قطاعات جماهيرية واسعة واكتساب شرعية اجتماعية، وبالتالي فشلها في أن تكون الجهة المُعبّرة عن الطبقة العاملة أو عن التحالف الطبقي الذي يهدف إلى التغيير، وبالتالي فإن الهجوم الذي شنّه «مُنظّرنا» ضد تجربة حزب الله المدنية وعلى قناة «المنار» لا يعدو كونه مُؤسَّسا على ذلك الفشل الذي يعيشه هو.

والأمر المهم الذي يجب ذكره يتمثل في علاقة القوى والتنظيمات اليسارية بعضها ببعض داخل الدولة الواحدة والعلاقات فيما بينها على المستوى القومي، فهي علاقات هشّة قوامها عدم الثقة والصراع في علاقة هذه التنظيمات بالنظم الحاكمة، وعلى تلك التيارات التقليدية ألاّ تكرّر مأساتها البينية مع التيارات الإسلامية الشريفة، بل عليها أن تجري عملية غربلة وتنظيف لمنتسبيها أو للمدثرين تحت عباءتها لكي لا يسببوا لها متاعب هي في غنى عنها.

وفي الختام كلمة أسوقها لـ «مُنظّرنا» الكريم: أن الحديث المتحامل ضد فئات فاعلة وصاحبة ذكرى ناصعة لدى الناس ليس معناه أنك بلغت عِتيّا من العلم أو سجّلت موقفا سياسيا حكيما، فهي منازلة بلا ذخيرة أو عدة ضد خصم له من الصدقية الكثير

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 651 - الخميس 17 يونيو 2004م الموافق 28 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً