مع تطوّر الحديث عن قضية المواطن محمد الكواري وتداعياتها، وما قرأناه من تظلّمٍ والتماساتٍ للإفراج عنه وعودته إلى عائلته، نودّ وضع بعض النقاط على الحروف، لأن مثل هذه القضايا لا يتم غلق ملفٍ إلا ويفتح آخر، ما يدلّ على وجودِ بقايا تفكيرٍ قديمٍ لا يتماشى مع مطلع الألفية الجديدة، خصوصا وأن بلداننا في هذا الشرق التعيس أصبحت تحت المجهر بعد قمة الثمانية الكبار الذين «يريدون» تعليمنا أسس الحضارة وزرع الديمقراطية في الصحراء العربية القاحلة المترامية الأطراف.
أحد الأمور التي ينبغي التوقّف عندها كثيرا ومحاسبة النفس، هي قضية استسهال اعتقال المواطن، أي مواطن، فهذه من مخلفات العقلية السابقة التي ذاقت منها البلد الكثير من الويلات، والتي بات من الضروري التخلّص منها لينعم المواطنون بالأمان، خصوصا أولئك المهتمون بالشأن السياسي، وهم كثرٌ في هذا البلد. فعلى هذه الأرض الطيبة يعيش شعبٌ على درجة كبيرة من الوعي الثقافي والحراك السياسي، والرغبة «الشبابية» الجامحة في التغيير، تعزّزها عوامل الفقر والبطالة والتمييز وغلبة «الواسطة» وعدم تكافؤ الفرص، وما يجرّه ذلك من إحباط. فالتعامل مع هذه الشرائح الواسعة من الشعب لا ينبغي أن يستمر على طريقة التلويح بالسجن والاعتقال وغلق الجمعيات السياسية ومراكز حقوق الانسان، لأنه حتى لو تمّ ذلك فلن يتغير الوضع إلى الأحسن بل سترجع البلد إلى الوراء، وبالخصوص على مستوى حقوق الانسان التي أصبحت أحد المعايير التي تحكم تصنيف الدول حضاريا في هذه المرحلة من التاريخ.
العبرة الأولى من قضية الكواري حتى لو عاد غدا من المعتقل إلى عائلته الكريمة، تظلّ احترام انسانية الانسان وقدسية حريته، وعدم التساهل باعتقال المواطنين بين فترةٍ وأخرى، أو التهديد بذلك كلّما نشب خلاف بشأن هذه القضية أو تلك. المأمول أن يصبح هناك خطٌ أحمر احتراما لإنسانية الانسان وتغليبا للمصلحة الوطنية العليا.
ربما لا يلاقي السجناء أو المعتقلون اليوم حتى معشار التعذيب أو التنكيل الذي حاق بسجناء السبعينات والثمانينات والتسعينات، والإذلال الذي مسّ عوائلهم وزوجاتهم وأقاربهم من معاملةٍ لا تليق بدولةٍ تحترم مواطنيها، مع ذلك يظلّ هناك إشكالٌ على طريقة التعاطي مع القضايا السياسية، والتي نطمح أن ترتقي إلى درجة أفضل من الموجود. فليس من المعقول اعتقال المواطن لمدة 45 يوما دون تقديمه إلى المحاكمة باسم القانون. كيف سينظر إلينا العالم المتحضر إذا علم بمثل هذا القانون؟
ثم إن السجن يعني عذابات لا تنتهي للسجين ولعائلته، فأنت حين تسجن إنسانا تستعدي عليك عائلته، وتستعدي الكثير من أبناء منطقته، لأن الناس تتعاطف مع المظلوم أو المسجون مهما كانت قضيته. المفروض أن هذه المسألة أضحت واضحة بحيث تمنع من تكرار التجارب الماضية المريرة.
ثم إن القانون «غير مقدّس»، من وضعه وحدّد 45 يوما يمكنه أن يغيّره إلى قانونٍ أكثر انسانية وأكثر مراعاة للبشر على هذه الأرض الطيبة. فهذا الشعب يستحق معاملة أفضل من اعتقال ثلاثة أسابيع للتوقيع على عريضة، أو نشر رقم عن عدد المتجنسين.
الجانب الآخر الذي كشفته قضية الكواري هو تقاعس بعض الأطراف القانونية التي تتبنى حقوق الانسان عن الدفاع عن قضيته، بدعوى «عدم إزعاج الحكومة وتعكير خاطرها»، ولم تتجرأ على قول كلمة حقٍ في مثل هذه القضية الانسانية البحتة. والصحيفة التي حاولت «انتزاع» تصريح من أفواه المسئولين في هذه الجمعية فشلت في الحصول على كلمة واحدة. ليس هناك موقفٌ، ليس هناك رأيٌ، صمٌ بكمٌ عميٌ... فهم لا ينطقون! ثم لا يريدوننا أن نقلق من الوضع السياسي والحقوقي في البلد، ونكتب إلى الناس نطمئنهم بأن «كل شيء تمام يا أفندم»!.
قانون «أمن الدولة» كان يبيح اعتقال المواطن لمدة ثلاث سنوات، قابلة للتجديد مرتين، لتبلغ سنوات العقوبة لغير المرغوب فيهم سياسيا 9 سنوات، والقانون الجديد يبيح الحبس لمدة 45 يوما، فهل تصبح قضية الكواري مدخلا لإعادة النظر في هذا القانون الذي تجاهله مجلس «نواب الشعب»؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 650 - الأربعاء 16 يونيو 2004م الموافق 27 ربيع الثاني 1425هـ