وزارة الخارجية البريطانية لديها وجه مختلف عن الماضي، فأروقتها تحتوي حاليا على موظفين مسلمين بدت على بعضهم ملامح التدين وازدانت غرفهم بالشعارات الإسلامية والآيات القرآنية. أحد المسئولين الذين التقيتهم مطلع الشهر في الخارجية البريطانية اسمه مقبل علي، وهو مسئول عن التواصل مع البريطانيين المسلمين (عددهم مليونا شخص) لنقل وجهات نظرهم في الشئون الخارجية للمسئولين، والعكس كذلك. الهدف - كما يقول علي - هو تنشيط دور المسلمين على المستوى الاستراتيجي حتى لا يشعرون بالتهميش. وتحرص الخارجية على حضور أحد الوزراء اجتماعات المسلمين للاستماع إلى ضرورة الأخذ بوجهة نظرهم بشأن فلسطين والعراق وكل ما يتعلق بالعالم الإسلامي. موظف الخارجية يتحدث بلغة جديدة، فهو «بريطاني - مسلم» ويعتز بإسلامه كما يعتز ببريطانيته، ويعتز بأن عشرين ألف «بريطاني - مسلم» ذهبوا إلى الحج في المرة الأخيرة ومعهم العلم البريطاني، ومعهم ايضا قنصلية بريطانية (جميعها من المسلمين) متنقلة بين الأماكن المقدسة، ومعهم فريق طبي بريطاني (جميعهم مسلمون) لرعاية الحجاج البريطانيين المسلمين.
يقول علي: ان المسلمين لديهم الآن جمعيات ضغط مهمة استطاعت العمل تحت احلك الظروف بعد هجمات 11 سبتمبر/ ايلول 2001، ولا سيما المجلس الاسلامي البريطاني (MCB)، وصحيفة «Muslim News» المؤثرة في الشارع الإسلامي البريطاني. وأضاف: «نحن لا نفرق بين سنة وشيعة، الجميع سواسية في بريطانيا» (الشيعة يقدرون بربع مليون من اصل مليوني مسلم في بريطانيا). ويفتخر علي بأن الخارجية البريطانية ارسلت حديثا وفدا من البريطانيين المسلمين إلى ماليزيا لإقامة الصلات بين المعتدلين الاسلاميين في البلدين، وان الوفد من المحتمل ان يقوم بزيارات إلى بلدان اخرى لخلق الترابط بين الاسلاميين المعتدلين الذين يودون رفع شأن دينهم وخدمة بلدانهم. والخارجية ستنظم مؤتمرا في اكتوبر/ تشرين الأول المقبل يجمع الناشطين المسلمين البريطانيين مع المسلمين الأوروبيين وعددا من الفاعلين على الساحة السياسية الإسلامية الدولية، بهدف فسح المجال امام المعتدلين في الاوساط الاسلامية لتصدر الشأن العام بما يخدم القضايا الإسلامية والوطنية.
مثل هذه اللغة تتوقع صدورها من بلد يعلن الاسلام دينا له وليس من بريطانيا، ولكن الزمان يتحرك وتتحرك معه الاحوال وتتحول بعض اروقة الخارجية البريطانية إلى مجال عمل للاسلاميين المعتدلين.
وفي لقاء آخر مع مسئول بريطاني في الخارجية اسمه ستيفن تشاندلر، قال إن دائرته لديها مهمة الحوار مع العالم الإسلامي، وهي مكملة لما تقوم به الدائرة التي يشرف عليها مقبل علي وتهتم بالحوار مع البريطانيين المسلمين. تشاندلر قال إن دائرته خصصت قرابة مليون ونصف مليون جنيه استرليني خلال العامين الماضيين لتنشيط الحوار مع العالم الإسلامي. وقال ان دائرته نشطت في عدة بلدان منها أفغانستان والبحرين وإندونيسيا وإيران والأردن وكينيا والمغرب ونيجيريا وباكستان والفلبين والسعودية والسودان واليمن. وقال تشاندلر ان موازنة دائرته ستزداد خلال العامين المقبلين إلى ثلاثة ملايين ونصف مليون جنيه، وبعد ذلك إلى ستة ملايين جنيه في العام 2006، وهذه الأموال ستذهب إلى مشروعات في البلدان المذكورة. ولدى سؤاله عن نوعية النشاطات التي ستصرف عليها الأموال، قال إن الخارجية على استعداد لدراسة أي مقترح تتقدم به جمعية ما أو مؤسسة معترف بها في العالم الإسلامي بهدف تعزيز مكانة المرأة في الحياة العامة، تعزيز حكم القانون بحسب الضوابط الدولية، تنشيط المجتمع المدني، واصلاح القضاء. وقال ان المشروعات الحالية تتراوح مدتها بين العام والثلاثة اعوام، وموازنة كل مشروع تتراوح بين 150 الف جنيه و400 الف جنيه استرليني.
قبل اعوام عدة لم تكن مثل هذه النشاطات جزءا من السياسة الخارجية لدولة كبرى مثل بريطانيا، واليوم هي واقع الحال، ما يشير إلى ان المسلمين ليسوا دائما في تراجع، وانما لديهم من الأثر الطيب ما وصلوا به إلى واحدة من اعرق المؤسسات في واحدة من اعرق الدول الغربية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 650 - الأربعاء 16 يونيو 2004م الموافق 27 ربيع الثاني 1425هـ