العدد 649 - الثلثاء 15 يونيو 2004م الموافق 26 ربيع الثاني 1425هـ

من أجل الكواري والوطن كله

قائمة موجزة من عشاق الوطن

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من أجل المواطن محمد الكواري، آخذكم في جولةٍ تاريخيةٍ سريعةٍ إلى سجن القلعة (المنامة) مكانا، وأعود بكم زمانا إلى الوراء اثنين وعشرين عاما، وتحديدا إلى شهر أكتوبر/ تشرين الأول 1982، هناك ستشاهدون زنزانات أشبه بقبور الموتى التي تحدّث عنها كاتب الروس الشهير ديستوفسكي. هذه القبور «البحرينية» التي تضج بالحرارة الشديدة في منتصف فصل الشتاء، فما بالكم بالصيف، حين يبدأ تساقط النزلاء في ليالي يوليو/ تموز وأغسطس/ آب فينقلون إلى المستشفى بعد أن يفقدوا الوعي.

هذه القبور كانت تضم في تلك الفترة تشكيلة منوعة من أبناء هذا الشعب، أسرد لكم قائمة تعرّفكم بمن دفعوا بعض ثمن الحرية، من مختلف الأطياف والشرائح والأعمار، ما يثبت أن المطالب الشعبية الإصلاحية، ليست وليدة اليوم ولن تتوقف غدا مادام لم يحدث تغيير ملموس على الأرض، وانها لم تكن مقتصرة على فئة دون أخرى: الحاج علي المهندس (مدينة عيسى)، مطيويع (أم الحصم)، المرحوم عبدالنبي خيامي (المحرق)، ابراهيم القصاب (البلاد القديم)، الحاج عبدالواحد (بني جمرة)، كريم العرادي (المنامة)، ابراهيم كمال الدين (النعيم)، عباس علي (رأس الرمان)، أحمد مكي (الجفير)، علي عباس (لاعب نادي المحرق والمنتخب الوطني)... غيضٌ من فيض، أكثرهم من كبار السن، قضوا في السجن سنوات، ولو بحثت اليوم عن تهمهم آنذاك، لما حصلت على غير كلمتين: «حب الوطن». ولكن حينها «تمت المطالبة بأقصى العقوبات التي تصل إلى حد الإعدام» أيضا تماما مثلما حدث لمعتقلي العريضة، بالأمس باسم قانون «أمن الدولة»، واليوم لا أدري بأي اسمٍ سيحاكم الكواري؟!

هذه عينة محدودة جدا، زمانا ومكانا، وإلا لو جلنا على بقية السجون السابقة، لأعيانا إحصاء القوائم التي مرّت على سجون جو الأربعة، وسجن التحقيقات، والحوض الجاف، والقرين والعدلية والتوقيف والأبراج، وما أدراك ما الأبراج! حتى الجرب عشعش فيها، فأصبح النزلاء مصابين بهذا المرض الذي اختفى حتى من الهند. كانت جلودهم تدمي من كثرة الحك والهرش، و«لا من شاف ولا من درى»، في غيبةٍ تامةٍ لمبادئ حقوق الانسان أو الشعور بحق المواطن في الحياة الحرة.

وإذا تكلّمنا وأكثرنا الحديث عن السجن فلكي نذكّر ونذكّر حتى نشق طريقا في الصخر إلى أن يتحول إلى قناعة لدى المعنيين، لئلا يستمر مسلسل الاستهانة باعتقال المواطن واستباحة حريته بمنتهى السهولة والاستهتار، مرة باسم قانون أمن الدولة، ومرة باسم نظرية «حق النيابة العامة في التهويل على المتهمين للمطالبة بإنزال أقصى العقوبات»! فمثل هذا الوضع القلق والتعاطي المرتبك مع قضايا الناس ومطالبهم، من شأنه أن يثير الشكوك الكبيرة في النفوس، فليس من المعقول أن يستمر هذا الحنين المرضي إلى الماضي وممارساته التي لم تشف من تبعاته الضحايا والأسر المنكوبة بعد، مهما قيل عن التعويضات ولمّ الشمل.

طبعا لن يطالب أحدٌ بالتلاعب بالقانون، أو إيقافه عن أخذ مجراه، بل ان من أوائل المطالبين بتطبيقه هم المتضررون من تطبيقه الانتقائي، وأحيانا «التعسفي»، على ألا يكون التطبيق مجرد وجه آخر لتصفية حسابات سياسية أو شخصية، أو نوع جديد من القمع المقنن أو التستر على المتجاوزين. فتطبيق القانون من مسلمات الحديث عن دولة المؤسسات، التي تسودها الشفافية ويحكمها العدل والمساواة والانصاف. ولا يكفي أن نطرح عارات للاستهلاك الاعلامي، بينما لاتزال ممارساتنا وعقلياتنا تعيش في الماضي وتتغنى بأمجاده!

إذا أردنا أن يخرج الوطن معافى من كبواته، فعلينا أن نزيل «خيار الاعتقال» و«عقوبة السجن» من قاموسنا السياسي، فيكفي قوائم ثلاثين عاما طالت ثم طالت حتى ملأت أدراج منظمات حقوق الانسان فيما مضى، أم ان طولها لا يكفي ليضاف إليها اسم محمد الكواري والقادمون من عشاق الوطن؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 649 - الثلثاء 15 يونيو 2004م الموافق 26 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً