العدد 649 - الثلثاء 15 يونيو 2004م الموافق 26 ربيع الثاني 1425هـ

بدأ «الإصلاح»... احذروا المناورة (2)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قراءة وثيقة الاصلاح الصادرة عن قمة الثماني في الولايات المتحدة تكشف الكثير من الأوهام التي تريد الدول الكبرى زرعها في عقول أجيال لا تملك خبرة كافية عن التقدم ووسائل تحقيقه.

فالوثيقة في طبعتها الجديدة أكثر واقعية من الأولى وأكثر تواضعا لأنها حاولت تحديد المهمات وطرح آليات ووضع موازنة لتنفيذ ما يقال انه ضرورة لانهاض الوضع العربي من كبوته. إلا ان الوثيقة على رغم التعديلات التي أدخلت عليها لاتزال أسيرة الأوهام ويسيطر عليها الكلام العام الذي تنقصه آليات محددة زمنيا للخروج من المأزق.

الوثيقة مثلا تذكّر الناس بمشكلات المنطقة المزمنة وهي مشكلات معروفة وليست بحاجة إلى تذكير بقدر ما هي تحتاج الى حلول. والحلول في معظمها معروفة ومقررة دوليا ولكن الولايات المتحدة قررت منذ زمن بعيد تعطيلها أو تأجيلها حتى وصل الأمر إلى ما هو عليه، وتذكرت فجأة ان هناك قرارات دولية عرقلت مرارا تطبيقها.

الوثيقة اذا تبدأ من مشكلات مزمنة يعرفها الجميع والكل يعلم من هو الطرف المسئول دوليا عن تعطيل الحلول المتفق عليها في مجلس الأمن... والولايات المتحدة قررت كعادتها التظاهر بالجهل وعدم المعرفة لابتزاز الدول العربية بالمزيد من التنازلات لمصلحة «إسرائيل» وهو الطرف الذي التزمت واشنطن بحمايته والدفاع عنه مهما ارتكب من اخطاء وحماقات.

تبدأ الوثيقة بديباجة (مقدمة) تشير فيها إلى ان مطلب الاصلاح حاجة عربية (داخلية) وهو جاء من طرفها وليس من الخارج. فالمقدمة تحاول ارضاء الجانب العربي بالاشارة الى ما صدر عنه من بيانات وقرارات تطالب بالاصلاح. فالاصلاح اذا مسألة عربية - داخلية تقول الوثيقة، والدول الصناعية المجتمعة قررت دعم هذا المطلب لنقله عمليا من النظرية إلى الفعل. وحتى يكون الفعل على قدر الفاعل ذكرت الوثيقة ان هناك بعض القيم العالمية التي تبنتها مؤسسات دولية وصدرت في مذكرات ومواثيق. وبناء على هذه العالمية التي لا تلغي الخصوصية، أدرجت الوثيقة بعض الفقرات التي تشجع على السلام والاستقرار وتسوية النزاعات وضرورة الفصل بين النزاعات والاصلاحات مشيرة الى خصوصية كل بلد وأهمية اجراء الاصلاح بالتعاون مع الحكومات وغيرها. ولم تنس الوثيقة ذكر القرارات الدولية و«خريطة الطريق» وقيام دولتين في فلسطين واحياء اللجنة الرباعية وانشاء صناديق دعم (ائتمان)... اضافة الى ضرورة عقد تسوية عادلة في «الشرق الأوسط» تشمل سورية ولبنان وتطبيق القرار 1546 وتأكيد سيادة العراق والتشجيع على الانتخابات وانتشار القوة المتعددة الجنسية وإعادة الإعمار، إضافة الى تعزيز الشراكة العربية - الأوروبية (دورة برشلونة) وهي كلها مشروطة بالاصلاح والتعاون والتقدم.

الوثيقة اذا في ديباجتها (مقدمتها) لم تنس أصول اللعبة فهي اقرت بالموجود لتصل إلى المطلوب. والمطلوب طبعا هو إقامة «منبر من أجل المستقبل» وهذا المنبر وظيفته تعزيز الشراكة والتشجيع على حكم القانون في المجال السياسي، وعلى التعليم والمساواة في المجال الاجتماعي، وعلى تأمين الوظائف والاستثمار ومكافحة الفساد في المجال الاقتصادي. وهذه كلها تحتاج الى خطة أولية لدعم الاصلاح.

الديباجة اذا تمهد الطريق العام للوصول إلى تحديد التفصيلات الواجب اتباعها حتى نصل (ربما) الى المستوى اللائق بالامم المحترمة! فالتفصيلات هي المهمة لأنها بالضبط توضح بالملموس كلفة هذا الاصلاح الموعود وخطوات تنفيذه وخططه العامة. فالبداية (المقدمة) ليست مهمة لأنها وضعت للتذكير لا للتنفيذ وهي مجرد اطارات نظرية لا قيمة عملية لها لأن المطلوب من الدول العربية غير تلك القرارات الدولية المطلوب من «إسرائيل» تنفيذها. وبما ان الوثيقة قررت في ديباجتها الفصل بين تسوية النزاعات والاصلاح فمعنى ذلك ان بامكان الدول الثماني البدء ببرامج التحديث والتطوير بفرضه عنوة او بالتعاون مع الدول العربية المعنية بالاصلاح من دون انتظار او تجميد كل الأوضاع حتى يتم تسوية القضايا العالقة منذ العام 1948. فالدول الثماني (أو بعضها) قررت من عندها انه لا صلة بين التهديد الأمني الاسرائيلي للدول العربية واستنزاف الثروات العربية بالحروب ورد الاعتداءات وتضييع الاموال وهدرها في معارك لم تسعف المنطقة في الدفاع عن نفسها أو في اعادة الشعب الفلسطيني الى أرضه بل اسهمت في تبرير قيام أنظمة عسكرية عطلت الحياة السياسية العامة وبررت القمع والاستبداد.

الدول الثماني قررت البدء من النهاية مسقطة من حساباتها كل احتمالات تجدد الحروب وقيام «إسرائيل» بتدمير البنية التحتية بطائرات وصواريخ أميركية كما فعلت مرارا في لبنان وكما تفعل اليوم في فلسطين. فالاصلاح اذا يجب ان يبدأ بالفصل بين الحقوق والسياسة وبين العدوان والإعمار وبالتالي الفصل بين الديمقراطية وجدار الفصل العنصري الذي يقيمه شارون في الضفة والقطاع.

الفصل بين الحقوق والسياسة هو شرط الاصلاح وحين يكون شرط الاصلاح هو تغييب العدالة يفهم المعنى البعيد لهذه المناورة الأميركية. فالمناورة كما يبدو ستبدأ بذرائع شتى - فلنستعد لها بربط الأحزمة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 649 - الثلثاء 15 يونيو 2004م الموافق 26 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً