الأمومة كلمة تستحضر في أذهاننا صورة لامرأة ذات وجه دائري تفوح منها رائحة الخبز، وتذكرنا بالقبلات الدافئة والحضن الدافئ وقصص ما قبل النوم. الأم هي أقدس شيء في الوجود لكن الواقع الحالي يخبرنا أن الأمومة أصبحت جزءا من اتجاهات الموضة فتارة تشجع المرأة على كثرة الإنجاب وبقدر ما تستطيع حتى وان كان ذلك كل تسعة أشهر إن أمكن وتارة أخرى تصبح العائلات الصغيرة هي الموضة الشائعة وتتحول الأمومة إلى عمل بدوام كامل للمرأة أو مجرد شيء تافه يمكن ممارسته بين فترة العمل أو التسوق.
إن النساء حاليا لا ينجبن مباشرة بعد الزواج كما هو الحال في السابق فقبل ثلاثة عقود كان معدل عمر الأمهات الجدد هو 26 عاما أما في الوقت الحالي فقد أصبح 30 عاما وهو يزداد يوما بعد يوم. ان عدد النساء اللاتي ينجبن بعد سن الخامسة والثلاثين تضاعف خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية.
هناك أسباب كثيرة لتـأجيل الإنجاب والتي من ضمنها صعوبة الحصول على الشريك المناسب كما أن وسائل منع الحمل تمنح الزوجين حرية الخيار ولو كان هذا الخيار متاحا في الماضي فإنه من المحتمل أن تفضل معظم النساء تأجيل فكرة الإنجاب ولكن من أضرار هذه الفكرة أنه عندما يصبح الوقت ملائما للزوجين للإنجاب بعد فترة طويلة من الزمن يكون الآوان فات.
إن معدل الخصوبة في النساء بعد سن الخامسة والثلاثين يبدأ في الانخفاض ويبلغ ذروته في العشرينات. تبدو عملية الإنجاب سهلة بالنسبة إلى الزوجين الراغبين في الحصول على أطفال مبكرا لكن الأمر لا يعتبر بالسهولة التي نتصورها ففرصة الإنجاب بالنسبة إلى زوجين شابين يتمتعان بمعدل خصوبة طبيعي تتراوح من 25 في المئة الى 30 في المئة في كل شهر. وعندما يصل عمر المرأة الى منتصف الثلاثينات تنخفض لديها فرصة حدوث الحمل شهريا بمعدل 10 الى 15 في المئة. أما عندما تصل الى سن الأربعينات فإن فرصة الحمل تصبح أقل من 5 في المئة شهريا وحتى إذا حدث الحمل فإن هناك احتمالات كبيرة لحدوث الإجهاض. هناك استثناءات طبعا ولكنها ليست القاعدة العامة كما في حال المطربة الشهيرة مادونا التي أنجبت ابنها روكو في عمر الثانية والأربعين وشيري بلير التي أنجبت ابنها ليو في سن الخامسة والأربعين.
في الوقت الحاضر فإن النساء عموما لا يرغبن في الحصول على عدد كبير من الأطفال كما في السابق ما يدل على أن الأمومة أصبحت موضة قديمة. لقد وصل معدل الإنجاب إلى أدنى مستوياته في بريطانيا منذ العام 1924 كما أن حجم العائلات تقلص في معظم أنحاء أوروبا إذ وصل إلى ما معدله أقل من طفلين في كل عائلة. لقد ازدادت المشكلات المتعلقة بالولادة في الفترة الأخيرة فمن بين الـ 560000 حالة ولادة في بريطانيا يتم التعامل مع أكثر من نصف هذه الحالات عن طريق العمليات القيصرية أو الطلق الصناعي.
وعموما فإن الأمومة لم تعد كما كانت عليه في السابق فلم تقتصر النساء فقط على تأجيل الإنجاب وتحديد النسل وتربية الأطفال خارج نطاق الزوجية بل خرجن أيضا إلى العمل تاركات خلفهن أطفالهن فللمرة الأولى منذ عشر سنوات أكثر من نصف النساء ممن يملكن أطفالا دون الخامسة يخرجن إلى العمل وهي نقلة نوعية في دور المرأة.
لا أرى ماهو الدافع حقا لترك الأطفال في المنزل والخروج إلى العمل بدوام كامل. لنتجاهل أثر ذلك على نفسية الطفل ولكن الأم تفوت على نفسها فرصة الاستمتاع باللحظات الرائعة التي تقضيها مع طفلها تراقبه وهو يلعب وتحاول إطعامه وتخرج معه للتنزه. تكون فكرة مشاهدة طفلك وهو يلعب بالرمل بينما أنت جالسة مملة بالنسبة إليك لكن بيئة العمل اليومية مليئة بالضغوط والمشكلات وهي في النهاية مسئولية لا تقارن بعملية تربية الطفل التي تتضمن إثارة وإبداع أكثر.
إن الأمومة شيء نفيس وهي لا تتحقق للجميع فمن المؤلم حقا أن تحاولي إنجاب طفل ولا تحصلين عليه وهو ما حدث لي شخصيا عندما أردت إنجاب المزيد من الأطفال واكتشفت أن تحقيق الأمومة ليس بالأمر الهين. لم استمتع في حياتي بشيء بقدر ما استمتعت بالأمومة وأسفت كثيرا لأنني لم أنجب ثلاثة أطفال آخرين
العدد 648 - الإثنين 14 يونيو 2004م الموافق 25 ربيع الثاني 1425هـ