رغبة منها في دعم مشاركة المرأة في العمل السياسي وتأكيدا على إبراز قضايا تمكينها في هذا الشأن، نظمت جمعية العمل الوطني الديمقراطي ندوة نقاشية عن «تمكين المرأة سياسيا» في يوم الخميس 10 يونيو/ حزيران الجاري حاضرت فيها مجموعة من ناشطات العمل النسائي البحرينيات، وقد استهدفت الندوة عضوات الجمعيات السياسية والنسائية والمهنية وأعضاء الجمعيات السياسية والمهتمين بشئون المرأة.
أهداف الندوة حددت في ثلاث محاور أولها تقديم خلفية عن اسهامات المرأة في العمل السياسي، ثم تم التركيز على بعض المعوقات التي تقف أمام تمكين المرأة في المجال السياسي، أما المحور الثالث فقد ركز على استعراض بعض أساليب عملية التمكين هذه.
أولى المتحدثات كانت منيرة فخرو التي ركزت في حديثها على اعطاء خلفية عن تاريخ العمل السياسي للمرأة البحرينية، والتي حددت بدايات تطور المرأة البحرينية في العام 1928 إذ تم افتتاح أول مدرسة نظامية للبنات، وقد قسمت فخرو تاريخ الحركة النسائية الى اربع محطات رئيسية تزامنت مع الحركة السياسية في البحرين.
تبلور الوعي السياسي
المحطة الأولى التي وصفتها فخرو بمرحلة تبلور الوعي السياسي هي الفترة التي شهدت انتفاضة العام 1956، وقد بدأت هذه المرحلة في العشرينات من القرن الماضي واستمرت حتى بدايات السبعينات من القرن نفسه، وتميزت بتشكل الوعي السياسي والقومي، وظهور التنظيمات العمالية وقيام أول حركة سياسية منظمة في العام 1953. هذه المرحلة لم تشهد أي حضور نسائي في الحياة السياسية والاجتماعية، وعلى رغم ذلك فقد انجزت فيها الكثير من الانجازات من الجانب النسائي لعل أهمها:
- قيام أول جمعية نسائية وهي جمعية نهضة فتاة البحرين في العام 1955.
- مشاركة المرأة في التظاهرات التي عمت البحرين كرد فعل على العدوان الثلاثي في العام 1956.
- المشاركة في انتفاضة عمال شركة نفط البحرين (بابكو) في منتصف الستينات، وقد خرجت حينها طالبات المدارس جنبا الى جنب الطلبة الذكور متظاهرين في الشوارع تضامنا مع مطالب العمال، ومطالبة ببعض الحقوق السياسية.
- الانتماء الى الحركات السرية الخارجية، كحركة القوميين العرب، الأمر الذي أدى لاعتقال وسجن اثنتين من المنتميات الى تلك الحركات في مطلع السبعينات وهما سبيكة النجار التي تشغل حاليا منصب رئيسة جمعية حقوق الانسان البحرينية، وصالحة عيسان، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها اعتقال سيدات بسبب ميولهن السياسية.
- أول بعثة نسائية الى بيروت للدراسات العليا وقد كانت مكونة من ثلاث فتيات.
بعد ذلك تحدثت فخرو عن بدايات انخراط الفتاة البحرينية في صفوف الحركة السياسية سواء خلال المرحلة الثانوية أو بعد الالتحاق بأي من الجامعات العربية اما من خلال الاتحادات الطللابية او عبر الاحتكاك بحركات سياسية متقدمة عى تلك الموجودة بدول الخليج العربية، وهو الأمر الذي هيأ للفتاة البحرينية الاطلاع على نماذج من نضالات المرأة العربية والعالمية.
محاولات مستمرة وإنجازات متميزة
بعد ذلك تطرقت فخرو الى المحطة الثانية في تاريخ الحركة النسائية وهي مرحلة تأسيس أول مجلس وطني والتي امتدت من العام 1972 حتى العام 1975 وتذكر فخرو أن النساء لم تكن لهن أية مشاركة من أي نوع يذكر في هذا المجلس وأضافت أن مجموعة عضوات من ثلاث جمعيات نسائية حاولن اشراك المرأة في العملية الانتخابية «وبعثن رسالتين واحدة الى الأمير والأخرى الى رئيس المجلس الوطني يلتمسن من خلالهما السماح للمرأة بالمشاركة السياسية»، لكن المحاولة فشلت.
أما المحطة الثالثة التي تحدثت عنها فخرو، فهي مرحلة انتفاضة العام 1994 التي كانت مشاركة النساء فيها بارزة ومميزة ولعل أبرز مافيها التوقيع العريضة الشعبية التي وقعها ما يقرب من 23000 شخص، وقد بلغت نسبة النساء 20 في المئة من مجموع الموقعين الذين طالبوا الأمير بإجراء اصلاحات سياسية ومحاربة الفساد والكثير من المطالب الأخرى منها فقرة تدور حول إنصاف المرأة وضرورة مشاركتها السياسية وإدماجها في التنمية بصورة مساوية للرجل.
تزعم فخرو أن الفقرة الأخيرة قد أضيفت «بشق الأنفس» نتيجة اعتراض رجال الدين الذين كانوا ضمن الموقعين الرئيسيين على العريضة!
وتضيف ان العريضة لاقت تجاوبا كبيرا وتعاطفا من قبل جماعات برلمانية وحقوقية خارج حدود البحرين، مرجعة سبب ذلك لشمول العريضة قضايا تتعلق بالمرأة!
كما توضح فخرو صورة اخرى من صور المشاركة السياسية للبحرينيات في تلك الفترة بالاشارة الى عريضة قامت بتوقيعها اكثر من 300 من المهنيات والقيادات النسائية طالبن فيها بالمساواة بين الجنسين واشراك المرأة في الحياة البرلمانية وغيرها من المطالب العامة، لكن مصير هذه العريضة اختلف عن العريضة الشعبية إذ خيرت السلطات النساء الموقعات بين الاعتذار أو الفصل من وظائفهن.
...ومرحلة لم تتم
أما المحطة الرابعة والأخيرة التي تحدثت عنها فخرو فهي مرحلة الاصلاحات السياسية والدستورية ونتائجها على وضع المرأة والتي جاءت نتيجة عمل دؤوب خاضته المرأة البحرينية طوال نصف قرن من الزمان.
وتميزت هذه المرحلة بالكثير من الاصلاحات السياسية والقانونية التي أعادت الثقة بين القيادة والمواطنين وجعلت ما يقرب من 98,4 في المئة من المواطنين رجالا ونساء يصوتون على ميثاق 2001 مؤيدين بذلك كل ما جاء فيه من بنود أهمها مشاركة المرأة في الانتخابات.
ثم تطرقت فخرو إلى الحديث عن الانتخابات البلدية وانعكاساتها على مسيرة المرأة حيث ربطت بين خسارة اليسار الليبرالي في الانتخابات وفشل المرأة آنذاك، إذ ترى ان هذه الاخفاق النسائي جاء لاسباب عدة منها التناقض الذي ظهر بين الجمعيات الديمقراطية والتقدمية من جهة والجمعيات النسائية من جهة أخرى إذ ضعف موقفها أمام التيار الديني منتجا هذه الخسارة النسائية!!
بعدها استعرضت الانجازات النسائية في مرحلة ما بعد الميثاق جاء على رأسها تشكيل المجلس الأعلى برئاسة الشيخة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة، ومشروع الاتحاد النسائي الذي لا يزال «تحت التأسيس»، اضافة الى تأسيس لجنة العريضة النسائية في العام 2001 التي تعتبرها فخرو انعكاسا لنضوج حركة المرأة ومطالبتها بالانصاف، بعدها اسهبت فخرو في الحديث عن قانون الاحوال الشخصية، وعن الاتحاد النسائي البحريني الذي لا يزال تحت التأسيس «بسبب تباطؤ الجانب الرسمي في اشهاره وتعمدها عرقلة انطلاقة هذا المشروع».
وأخيرا أشارت فخرو الى تأثير منظمات الأمم المتحدة على الحركة النسوية في البحرين اذ ان مشاركة المملكة في الكثير من الاجتماعات والمؤتمرات العالمية للمرأة أعطى مردودا إيجابيا يصب في صالح قضاياها ويلزم دول الخليج باحترام تلك المعاهدات والقرارات التي تصدر عن هذه المؤتمرات خصوصا ما يعرف بتوصيات بيجنغ 2000، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي ترى فخرو فيها قفزة نوعية تجاه النظرة الرسمية إلى قضايا المرأة ستشكل التزاما لدول الخليج تجاه تنفيذ هذ الاتفاقية مما سيكون له مكاسب ايجابية في صالح المرأة.
عوائق وصعوبات
اما الهدف الثاني من انعقاد هذه الندوة النقاشية والذي يدور حول تحديد معوقات تمكين المرأة سياسيا فقد ناقشته سناء أمين من خلال ورقتها التي ركزت فيها على أهم هذه المعوقات التي قسمتها إلى نوعين، القوى المقاومة أو الرجعية، والقوى الدافعة، اما النوع الأول فقد حصرته في ثمانية أمور هي: الانظمة السياسية، والثقافة العامة، ونظرة المرأة الدونية، والتفسيرات الخاطئة للدين، وعدم وجود استراتيجيات صحيحة للموارد البشرية، وضعف المناهج وعجزها، وعدم وجود شبكة نسائية (لوبي)، وعدم وجود مثل نسائي أعلى.
بعدها استعرضت أمين مجموعة القوى التي تدفع عملية التمكين هذه حيث حددتها في سبع قوى هي: الثقافة، والاقتصاد، وتغير موقف المرأة تجاه العمل، وتغير نظرة الرجل لها، والحكومات العربية، والمواطنة، والقوى الخارجية للعولمة وحقوق الانسان.
وترى امين ان السبيل لتحقيق وضع أفضل للمرأة يأتي من خلال الغاء جميع القوانين والسياسات التمييزية ضد المرأة سواء في مجال العمل أو تلك المطبقة في المحاكم البحرينية، وتوفير الموارد المالية للمرأة كما هي للرجال كالقروض الاسكانية وقروض الشركات، وتحسين نظام المعاشات، وادخال نظام الكوتا في البرلمان، وتغيير المناهج التعليمية وبالتالي تغيير الكثير من الصور النمطية التي تعرضها، والقيام بحملات توعية ثقافية واجتماعية واسعة ومدروسة، وخلق شبكة نسائية قوية كالمجلس الأعلى.
مناقشات ساخنة وآراء متعددة
المناقشات التي جرت بعد انتهاء أمين كانت حامية دار معظمها حول الأسباب والمعوقات الحقيقية التي تواجه عمل المرأة إذ رأى البعض ان وصول النساء للمراكز القيادية يواجَه بالكثير من المعوقات تأتي رعاية الاسرة والأولاد على رأسها، هذا عدا عن واقع الحال في المجتمع النسائي الذي تنتشر فيه مشاعر الغيرة والحسد إذ لا تسعد بعض النساء بوصول اخريات الى مراكز قيادية عالية وهكذا تفقد المرأة دعم المرأة الأخرى.
اخريات ارجعن اسباب عدم تمكن المرأة الى عيوب تعاني منها المرأة إذ ذكرن ان حقائق الواقع تكشف عن تسلط المرأة التي تصل الى المراكز القيادية ودكتاتوريتها، كذلك جرى الحديث عن عدم قدرتها على العمل في القوات المسلحة وهو الأمر الذي يعطي النساء الكثير من مهارات التعاون والتكاتف والعمل كفريق تسوده الروح التي لا توجد لدى الكثيرات من النساء.
في مداخلتها اعتبرت بهية الجشي الاتفاقات التي وقعتها الدول تشكل عوامل ضغط تمنع أية ممارسات او اجراءات تتعارض مع بنود هذه الاتفاقات، كما أكدت انصاف القوانين البحرينية للمرأة الى حد كبير للمرأة ، وارجعت الكثير من النواقص الى عملية تطبيق هذه القوانين والتي تحتاج الى رقابة ادارية، وهذا في رأي الجشي هو دور مؤسسات المجتمع المدني التي يجب ان تضغط باتجاه تغيير الخطاب الاعلامي والصورة الاعلامية للمناهج والخطاب التربوي الوارد فيها.
أما فاطمة ربيعة فقد انتقدت بعض الجوانب التي أسمتها بالشاذة والتي تدعو الى فصل تام بين المرأة والرجل في المجتمع، لتصبح المرأة كأنها كائن يجب الابتعاد عنه، كما استنكرت تركيز بعض الجهات على مسائل ليست ذات أهمية كموضوع حجاب المرأة، وأضافت «يبدو وكأننا تمكنا من حل جميع القضايا الدستورية ولم تتبقَ سوى هذه الأمور».
أما أحمد هزيم فقد ارجع السبب الأساسي في تحجيم دور المرأة الى الموروث، الذي يحمل بعض صمامات الأمان أهمها رجال الدين وما يعتمدون عليه من روايات وأحاديث نبوية مختلفة.
بعض الحاضرات أبدين تحفظا على قانون الكوتا إذ رأين فيه تمييزا ايجابيا لصالح المرأة، بل تضيف سكينة العكري أن هذا النظام يؤدي الى اضعاف المرأة، وانه على رغم ضمانه مقاعد لها فإنه يحفظ مكانتها الاجتماعية فهو لايزال يعاملها على انها تابعة للرجل.
أما ابراهيم شريف فلم يتفق مع العكري بل رأى اننا بحاجة الى ادخال نظام الكوتا على كل المستويات وفي كل الجمعيات والوزارات وحتى في القطاع الخاص.
حقائق وأرقام
بعدها استعرضت زينب الدرازي حقائق وأرقاما عن واقع النساء القياديات في جميع انحاء العالم أولا ثم ركزت على واقع النساء البحرينيات إذ ذكرت أن عددهن يبلغ ما يقرب من 24 في المئة من القوى البحرينية العاملة مقارنة بـ 17 في المئة في العام 1991، وأضافت أن 85 في المئة من النساء البحرينيات متعلمات، وان 22,482 منهن يعملن في القطاع الخاص بينما تعمل 11,480 سيدة بحرينية في القطاع الحكومي.
أما أول امرأة بحرينية تسلمت منصب وزير فقد كان في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001 وحاليا تشغل اربع بحرينيات مناصب رسمية عالية، بينما يصل عدد النساء في المناصب الادارية الى 25 امرأة في القطاع العام.
أما فيما يتعلق بالمستوى التعليمي فتشير الدرازي الى ان 190 امرأة بحرينية يحملن شهادة دكتوراه في مقابل 490 رجلا بحرينيا، في حين تبلغ نسبة الأمية بين البحرينيات 17 في المئة (من مجموع اعداد السكان الذي يصل الى 405,667 نسمة).
سبل التمكين السياسي
أخيرا تحدثت فريدة غلام عن بعض من سبل تمكين المرأة سياسيا عن طريق استعراض نماذج عربية وعالمية في هذا المجال، إذ تحدثت أولا عن شبكة ايميلي في الولايات المتحدة الأميركية وهي اكبر شبكة سياسية قاعدية على مستوى الولايات المتحدة الأميركية تستهدف مساعدة النساء الديمقراطيات للوصول الى مراكز صنع القرار السياسي، وتعمل هذه الشبكة على وضع برامج تدريب لجميع العاملين في هذه الحملات وللمرشحات، وقد ساعدت هذه الشبكة منذ تأسيسها في العام 1985 على ايصال اصوات 56 امرأة من الحزب الديمقراطي الى مقاعد الكونغرس، منهن 11 نائبة و7 نساء لحكم الولاية.
بعدها استعرضت تجربة اللوائح الوطنية للنساء في المغرب مبينة ايجابيات ونواقص تلك التجربة وآثارها على واقع المرأة المغربية التي أدت الى دخول 30 امرأة مغربية الى البرلمان في العام 2002 إذ ارتفعت نسبة تمثيل النساء من 0,6 في المئة الى 10,8 وأصبحت مرتبة المغرب في مستوى تمثيل المرأة في المجالس التشريعية في العالم 69 بعد أن كانت 121. أخيراتساءلت غلام عن امكان التطبيق المحلي لمثل هذه البرامج في ظل عدم تأهل الجمعيات النسائية في البحرين للقيام بمثل هذا الدور.
أوراق العمل المطروحة والنقاشات الساخنة نقلت طموحات كبيرة وجاءت كخطوة أولى في سبيل تعزيز أدوار المرأة البحرينية وإعطائها مساحة أكبر في عملية التنمية بكل أنواعها، لكن بعيدا عن كل ذلك هل يمكن أن تسبب المغالاة في الطرح ومغالطة بعض الحقائق التي جاءت على لسان بعض المشاركات عوامل سلبية يمكن أن تأخذ البحرينية إلى دروب أخرى غير ما تنشده من عقد مثل هذه اللقاءات الهادفة
العدد 648 - الإثنين 14 يونيو 2004م الموافق 25 ربيع الثاني 1425هـ