قبل أن نكمل قراءة نصوص وثيقتي «الشرق الأوسط الكبير»، يطلع علينا خبر المعتقل الجديد محمد الكواري بتطوراته كل يوم، لتضاف قطعة أخرى من اللوحة القديمة الآخذة في التجدد والانبعاث، ما يوحي بوجود بقايا رغبة لم يتم التحرر منها للعودة إلى الوراء، مرة باسم مطعم لاتريسا، ومرة باسم نانسي عجرم، وثالثة باسم معتقلي العريضة، ورابعة باسم «اختلاس» وثائق متعلقة بملف التجنيس. الأعذار لا تنتهي، وتظل الرغبة بين الضلوع، فكأنك يا بوزيد ما غزيت.
وإذا كان لنا من نفَسٍ في هذه الحياة، فسنظل على طول الخط نكتب ضد الاجراءات التي تؤدي بالمواطنين إلى غياهب السجن، وإن اختلفت الأعذار والتبريرات، فالسجن لم يخلق للمواطنين الأبرياء، ولا الساعين إلى الإصلاح، ولا المعارضين للفساد المالي والإداري والأخلاقي. ونعرف في الوقت نفسه ان هناك من «يتطوع» بالمجان للدفاع دائما عن كل ما تتخذه الحكومة من اجراءات، ويتبرع لتبرير كل عملٍ تقوم به، ولم ننس عندما اعتقل 14 شابا من جامعي توقيعات العريضة قبل أسابيع، وخرجت علينا النيابة العامة بذلك البيان الناري، من تهمٍ تشيب لها رؤوس الولدان، فوقف أحدهم للدفاع عن موقفها بدعوى ان النائب العام من صلب عمله تضخيم القضايا للمطالبة بأقصى العقوبات! ولكن «سماحته» لم يفسّر لنا ما الذي اقترفه هؤلاء أصلا حتى تتم المطالبة بأقسى العقوبات التي تصل إلى حد الإعدام! ولو سارت الأمور بحسب هذا المنطق التصعيدي لأصبحت سبّة وعارا على جبين البحرين الجديدة، بأن يطالب النائب العام بإعدام بعض مواطنيها بسبب جمع توقيعات على عريضة!
واليوم نقف أمام قضية المواطن محمد الكواري، متابعين مراحل تطور هذه القضية، وما جرى عليها من تحوير وتعديل، من «تسريب وثائق»، إلى «اختلاس وثائق» خطيرة جدا، وهو أمر متوقع مادام يراد إقناعنا بأن «من صلب عمل النيابة العامة تضخيم القضايا للمطالبة بأقصى العقوبات»! ومن الطبيعي أن يتم التعامل مع القضية وكأن هناك نازلة ستنزل بالبحرين من جرّاء تسريب هذه الوثائق، مع أننا بلد صغير، ليس فيه أسرار، وقضية التجنيس تحديدا أمرٌ لا يمكن التستر عليه مهما يكن، فنتائجها ستكون ظاهرة للجميع في الشوارع والطرقات حالا، كما تختزن الكثير من المآسي التي سيحفل بها المستقبل للأسف الشديد، سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا وخدماتيا. وما يعزّز ذلك ما آلت إليه محاولات التغطية السابقة وما وقعت فيه من تناقضات على مستوى الأرقام الصادرة عن المصادر الرسمية ذاتها.
خرافة «أسرار الدولة»
قبل ثلاثين عاما، أطلق أحد الرؤساء الأميركيين كلمة دخلت في الأدبيات السياسية من أوسع الأبواب من دون أن يدري، حين قال: «بعد ان دخلت إلى البيت الأبيض اكتشفت أن 95 في المئة من المعلومات كانت تنشر في الصحف، و5 في المئة فقط كانت عبر القنوات السرية». هذا في الولايات المتحدة الأميركية، وقبل ثلاثين عاما، أي قبل دخول العالم عصر الـ «سي إن إن» بعشرين عاما، وقبل شيوع الإنترنت واقتحامه المنازل من فوق السقوف بعشرة أعوام.
علينا أن ندرك انه في عصر الفضائيات والإنترنت، لم تعد هناك «أسرار دول» و«قدس أقداس»، فقمة الثماني انتهت من ترسيم مصائرنا وتفكيك منطقتنا والتدخل في مناهج دراسة أطفالنا، ونحن مازلنا نتجادل في رقم البطالة هل هو 15 ألفا أم 30 ألفا، بل ان البعض مازال يشكك في نتائج دراسة «ماكنزي» بشأن وجود 100 ألف عاطل بعد تسعة أعوام!
الإغماض عن مشكلاتنا هو هروب إلى المجهول، وعدم مناقشتها لن يحلها وإنما سيؤجلها إلى ان تنفجر كالزائدة الدودية فتسمّم الجسد كله، ومحاسبة المواطنين على عقد ندوة أو نشر رقم عن أعداد المجنسين - هذا إذا ثبت - لا يثبت جديتنا في السير على طريق الشفافية، وهو من مطالب الثماني الكبرى في سي آيلاند قبل أسبوع
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 648 - الإثنين 14 يونيو 2004م الموافق 25 ربيع الثاني 1425هـ