دور الانعقاد الثاني لمجلس النواب والذي تصرمت أيامه توا، كان مدينة كبيرة من الحلم الوردي الرفيع لفقراء هذا الشعب، كان خيالا واسعا تفوق بجدارة على مخيلة المتنبي والبحتري وأبي تمام وغيرهم ممن ضربوا أروع الأمثلة في التخيل خارج حدود الحواس الخمس.
ما غرق فيه المواطنون في هذا الدور البرلماني «الوردي» لم يكن بحرا من الحلم فحسب، بل كان محيطا ترامت أطرافه الزرقاء في عالم من الخيال البعيد الذي سرح فيه بال المنتظرين لرغبة من بين طابور من الرغبات التي حركت مشاعر البؤساء، ودغدغت عواطف الضعفاء المتعلقين ولو بقشة يمكن أن تغير واقعهم الفقير البائس.
مئة دينار لكل مواطن عمر طلبه الإسكاني خمس سنوات! زيادة العلاوة الاجتماعية لكل من يقل مرتبه عن 250 دينارا! 16 في المئة زيادة لموظفي الحكومة ! خمسون دينارا شهريا لأصحاب الاحتياجات الخاصة ! تخفيض في أجرة الكهرباء والماء ! 25 دينارا لكل مولود! ووووو! كل هذه الرغبات البرلمانية كانت تسرق الحواس فلا يحس صاحبها، وتشرد بالذهن فلا يعود، وتأخذ بالألباب فلا تتزن، تماما كالناظر في الماء البارد فلا يشرب، أو كالسامع عن الأمان فلا يأمن.
أنا واثق أنه في هذا الصيف الذي لن يمر إلا على الناخبين، لابد أن يستيقظ الحالمون بالرغبات البرلمانية بعد أن تحرقهم أشعة الشمس التي لن يشعر بها النواب الذين بدأوا في ربط أمتعتهم لقضاء صيف بارد، مؤكدا أن الشعب سيفتح عيونه بعد توقف الصراخ ليدرك أن رغبات النواب لم تتحقق، عندها لن تمر التصريحات التي تخرج من تحت قبة البرلمان بيسر في أذن الفقير!
وأخيرا: سؤال يخلد في الذهن، بأي ثوب سيدخل النواب دورهم الثالث؟ وبأية عباءة سيسرحون في أروقة البرلمان بعد شهور من الاستجمام خارج الحدود؟، هل سيعودون بأرطال أخرى من المقترحات برغبة أم سيطالبون بتنفيذ مقترحاتهم المحبوسة في أدراج الحكومة ؟
المطرقة التي كانت تطرق سمع النواب من داخل البرلمان ستطرق سمعهم من خارجه أيضا إذا أدمن النواب التفنن في تقديم الاقتراحات وأدمنت الحكومة هي الأخرى في إلقاء الأغلال عليها، فالناخب الذي استطاع أن يوصل ورقته إلى الصندوق يستطيع أن يوصل ورقة أخرى ليقول فيها نحن بحاجة إلى أن نرى واقعا لا حلما
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 648 - الإثنين 14 يونيو 2004م الموافق 25 ربيع الثاني 1425هـ