قبل حوالي الشهر أصدر الإمام الخامنئي مرسوما عيَّن بموجبه عزت الله ضرغامي رئيسا لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون خلفا لعلي لاريجاني الذي أدار المؤسسة المذكورة لمدة تزيد على عشر سنوات، والمعلوم أن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في الجمهورية الإسلامية هي مؤسسة رسمية تقع مباشرة تحت سلطة المُرشد وفقا للمادة 110 من الدستور.
كانت شخصية لاريجاني (وهو سليل الأسرة اللاريجانية العتيدة والمشهورة بتفريخها للكثير من المفكرين الثوريين الذين تماهوا مع الثورة من انطلاقتها، كصادق لاريجاني ومحمد جواد لاريجاني مستشار السلطة القضائية ومدير معهد الفيزياء الرياضية في طهران) تميزت بقدر كبير من الاتزان في سلوكه السياسي والمعرفي على رغم تصنيفه من قِبَل البعض بأنه قطب محافظ بامتياز. وكان ذلك الاتزان في السلوك الذي يتميز به لاريجاني راجعا لعوامل كثيرة أهّلته لأن يكون كذلك، فالرجل يعتبر من القيادات الأولى للحرس الثوري (الباسداران) منذ تشكله فعليا بعد الثورة، ثم إنه رجل تكنوقراطي من الطراز الأول وحائز على الدكتوراه في التاريخ، وهو عضو بالمجلس الأعلى للأمن القومي وبمجلس الوزراء لمدة تزيد عن تسع سنوات، إلاّ أن الفترة التي قضاها رئيسا لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون قد تسببت في توجيه الكثير من الانتقادات اللاذعة إليه من الأصدقاء والخصوم معا، وخصوصا من إصلاحيي تيار الثاني من خرداد الذين اتهموه بأنه انتهج سياسة فئوية وانتقائية في إدارته لصالح القوى المحافظة في المناسبات الانتخابية وبالذات إبّان الدورة الأولى لترشح محمد خاتمي لانتخابات الرئاسة في العام 1997.
وحتى المرشد الأعلى الذي يُعتبر المسئول الأول عن المؤسسة قد قام بتوجيه نقد صريح لها خلال لقائه بمسئوليها في فبراير/ شباط من العام الماضي منبها إلى «ضرورة أن تضطلع هذه المؤسسة بدورها الإعلامي الكامل من خلال الرسائل التي يحتاجها الشعب والمجتمع وإنتاجها وإدارتها وبث الأمل والعدالة، وفي مواجهة النشاط الإعلامي للسلطويين في العالم الذين وضعوا الشعب الإيراني ضمن أهدافهم»، منتقدا «بعض توجهات التلفزيون الإعلامية والبرامجية» على رغم أنه عاد وأطراها بقوة خلال زيارته الأخيرة لها في السابع عشر من الشهر الجاري بمناسبة قرب انتهاء ولاية رئيسها القريب منه وموضع ثقته أيضا، واصافا إياها بأنها «دعمت قضايا ومبادئ الثورة وشجعت الشعب للمشاركة في الانتخابات».
كانت جهود لاريجاني في هيئة الإذاعة والتلفزيون على بعض المستويات التنفيذية الفنية جيدة إلى حدّ ما فقد تمّ تشكيل لجان التخطيط والبرمجة في شبكات وأقسام إعداد البرامج ودُشِّنَت مراكز بحوث في جميع أقسام الإذاعة والتلفزيون من بينها مركز البحوث الإسلامية في مدينة قم الذي يعتبر من أهم مراكز البحوث.
كما أن 70 في المئة من المعدات الفنية للإذاعة والتلفزيون قد تم إنتاجها محليا، وباتت للمؤسسة القدرة على تركيب 63 مرسلة تلفزيونية فائقة القوة وكذلك تركيب 1500 مرسلة إذاعية سنويا.
كما أن الاستعدادات جارية الآن للبث الرقمي وكذلك توظيف الاستثمارات في مجال النظام المتعدد الوسائل (مولتي ميديا). كما أن المؤسسة باتت تملك 37 شبكة تلفزيونية محلية ووطنية ودولية و40 محطة إذاعة مماثلة، وبات بإمكانها (أي المؤسسة) إنتاج 59 ساعة من الصور المتحركة سنويا.
ولكي لا أستغرق في سرد الأرقام، أودّ أن أشير عطفا على ما ذكرته سلفا إلى أن ما يهمنا نحن كعرب في الإعلام الإيراني ليس تلك الإحصاءات (التي نقدِّرها) بقدر ما يهمنا ما يُقدّمه الإعلام الإيراني من مادة علمية تتناسب وحجم المتلقي من الجمهور، لأن ما نلحظه الآن من خلال متابعاتنا للبرامج الإيرانية (العربية) هو حال إخفاق مؤسفة للبرامج وطريقة تقديمها وحتى تقنيتها سواء على مستوى المرئيات أو المذياع، فالشعب العربي الذي بات تعداده السكاني يفوق الثلاثمئة مليون إنسان وبه طبقة وسطى صاعدة ووعي سياسي وفكري متَّقد لا يُمكن أن يقبل أبدا بمثل هذه البرامج الضعيفة التي تقدمها القنوات الإيرانية (العربية). كما أنها لم تعد تعكس حقيقة المشهد الثقافي والسياسي المعتمل في إيران، حتى بتنا نسمع أخبار الإيرانيين من قنوات أجنبية عربية كانت أو غربية!
لذلك فإن الكثيرين من العرب لم يعودوا يفهمون حقيقة إيران ولا سياساتها الداخلية أو الخارجية، والبعض أُصيب بخيبة أمل لقراءته غير الصحيحة بفعل افتقاره للمعلومة التي كان من المفترض أن يوفرها له الإعلام الإيراني، بل باتت معرفة البعض منا بقضايا إيران (وهي جار مهم) تنحصر في الرمزية والشعاراتية الصرفة. ولكي لا أكون راديكاليا رافضا (كما قال المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري) لابدّ أن أشير في جانب آخر إلى أن قناة العالم (الإيرانية) الناطقة بالعربية قد هوّنت إلى حدّ ما من هول الخطب، وباتت تُقدم من البرامج السياسية والتحليلات ما يساوي أداء الكثير من القنوات الفضائية العربية الراقية، إلاّ أنها تبقى قناة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعالمي ولا تقدم توصيفا للمشهد السياسي والثقافي الإيراني إلاّ ما ندر. لذلك فإن الإشكال مستمر وبات من المُحتَّم على القيِّمين على الإعلام في طهران أن يعوا حجم هذه المشكلة ويبادروا إلى حلحلتها وخصوصا أن موقعهم في المعادلة الأميركية هو موقع مأزوم وفي حال تضاد شبه أزلية، الأمر الذي يحتاج إلى إعلام مضاد يُساوي حجم ما يحدث
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 647 - الأحد 13 يونيو 2004م الموافق 24 ربيع الثاني 1425هـ