قرر مجلس الأمن إرسال بعثة سياسية لتقصي الحقائق في إقليم دارفور السوداني. ويرجح أن تمهد البعثة الطريق أمام تدخل دولي تشرف القوى الكبرى على إدارته من خلال قوات «حفظ السلام» تابعة للأمم المتحدة.
ماذا يجري في السودان من حوادث جديدة تستدعي هذا التدخل السريع؟ وهل الجديد له علاقة بالخرطوم أم بالأوضاع المأسوية في الأقاليم السودانية؟
الحماس المفتعل للتدخل مسألة غريبة وغير مفهومة لدى المتابعين وتحديدا بعد توصل الحكومة السودانية إلى توقيع ستة بروتوكولات مع قائد الحركة الشعبية المعارضة في الجنوب جون قرنق. وقيل إن تلك البروتوكولات تمهد الطريق نحو عقد اتفاق سلام ينهي أزمة بدأت منذ استقلال السودان عن الاستعمار البريطاني.
ما الجديد إذا حتى يتم تحريك الجبهة الغربية (دارفور) على الحدود التشادية، ويعلن صراحة أن تلك المنطقة منكوبة وتحتاج إلى تحرك دولي لانقاذها؟
احتمالات كثيرة مطروحة، وربما تكون أسبابها مضخمة ومفتعلة كما صرح بذلك نائب الرئيس السوداني علي عثمان طه في القاهرة. والاحتمالات المفترضة ربما تكون لها سلسلة أسباب آخرها تلك المتعلقة بالوضع الإنساني. فالإنساني هي آخر ما يحرك رجال الأعمال والنفط والغاز والطاقة والتجارة والصناعة والمصارف في أوروبا وأميركا. وقبل الوصول إلى «الإنساني» لابد من وجود دوافع غير إنسانية لها علاقة بالمصالح والحاجات والاكتشافات وربما مخططات بعيدة المدى تهدف إلى تقسيم السودان وتوزيع ثرواته أو السيطرة على منابع المياه ومساقط الشلالات وسهوب السودان وهي سهوب إذا استثمرت زراعيا فإنها تكفي لسد حاجات إفريقيا للمواد الغذائية.
السؤال إذا: لماذا هذه السرعة في الاستجابة لمتطلبات إنسانية في وقت تعاني فيه الكثير من الشعوب والدول مشكلات خطيرة ومجاعات وأمراضا وأمية لا حصر لها؟
وضع الجواب في إطار المصالح الدولية يساعد على التقاط عناصر غير مرئية من وراء هذا الاهتمام المتسرع في مشكلة ليست حديثة العهد.
لابد من البحث عن جواب خارج الاطر «الإنسانية» فهذه لعبة تجيدها الدول الكبرى لتبرير سياسات التدخل وأحيانا عدم التدخل.
الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مثلا، ناشد الدول الكبرى عشرات المرات للتدخل في فلسطين وانقاذ الشعب من هدم المنازل وتشريد العائلات ومن مختلف الكوارث اليومية التي يلحقها الاحتلال به. ورفضت القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الاستماع إلى نداءات الاستغاثة. وعرفات أيضا طالب مرارا بإرسال قوات دولية (القبعات الزرق) للفصل بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية ورفضت الأمم المتحدة الاستجابة لطلباته. وكذلك وجه عرفات سلسلة نداءات وبرقيات إلى واشنطن لإرسال بعثة سياسية لتقصي الحقائق أو قوات مراقبة تشرف على ضبط اطلاق النار وتعيين الطرف المسئول عن التجاوزات والخرق... وحتى الآن لم تحرك الإدارة الأميركية ساكنا بل عطلت كل المحاولات الدولية التي وجدت في الاستغاثات الفلسطينية مسألة تحتاج إلى نظر وتفكير.
«لماذا هذا التمييز؟» ليس هو السؤال. السؤال: لماذا هذا الانحياز الأميركي لسياسة رئيس الحكومة الإسرائيلي ارييل شارون؟ ولماذا هذا السكوت عن سياسة التدمير المنهجي والمبرمج لمنازل الفلسطينيين في الضفة والقطاع؟
ما الفارق إذا بين وضعين متشابهين إذا لم يكن الوضع في الضفة والقطاع أسوأ من إقليم دارفور؟ هل هو النفط أم مساقط المياه أم سهوب السودان أم سياسة تقسيم وتقاسم ثروات بلد أم استراتيجية أميركية تدعم «إسرائيل»، وتقوي أعداء العرب والمسلمين، وتضعف كل دولة تتمتع بإمكانات وثروات غير مستثمرة وتشكل احتياطات لا غنى عنها للأمة في المستقبل.
أسئلة كثيرة لها صلة بقرار مجلس الأمن إرسال بعثة سياسية للسودان تمهيدا لوضعه تحت إشراف دولي وبإدارة قوات حفظ السلام. إلا أن تلك الأسئلة لا قيمة لها عند دول كبرى تفصل ما بين السياسي والحقوقي وتميز بين إنساني وآخر بحسب المصالح والاستراتيجيات الكبرى والبعيدة المدى.
هذا جانب من المشكلة. والجانب الآخر يتعلق بالأنظمة وهي أنظمة لم تترك في غالبيتها وسيلة إلا واتبعتها لإعطاء الذرائع الكافية والمناسبة لتبرير التدخل الأجنبي. هذا ما حصل في العراق، وهذا ما تريد واشنطن حصوله في السودان على رغم الفارق الشاسع بين نظام صدام ونظام البشير
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 647 - الأحد 13 يونيو 2004م الموافق 24 ربيع الثاني 1425هـ