النهج الخاطئ لمعظم بلداننا العربية هو اعتقادها بأن الأمن والاستقرار يتحقق عبر تخصيص أكثرية موازنة الدولة لأجهزة الأمن والداخلية والاستخبارات. والنتيجة أنه وبعد أكثر من نصف قرن من هذا التوجه فإن بلداننا العربية هي الأكثر ظلما وقهرا والأقل استقرارا والأضعف تنمية. فإذا كانت الدول المتقدمة تخصص 7 في المئة إلى الأمن و7 في المئة إلى الدفاع (مجموع 14في المئة)، فإن دولنا عموما تخصص ضعف هذه النسبة وأكثر، إذ تستحوذ موازنة الأمن والدفاع على ما مجموعه 35 في المئة، وربما أكثر.
النهج الصحيح لإحداث الاستقرار يعتمد على تخصيص النسبة الأكبر من الموازنة للخدمات مثل: الصحة والتعليم والاسكان والضمان الاجتماعي للعاطلين والمسنين. والمخصصات في هذا المجال أقل مما تتطلبه المؤسسات الأمنية والمخابراتية والعسكرية وأكثر نفعا للحاكم والمحكوم. وهذه هي الحقيقة التي فهمتها أوروبا الغربية التي شرعت منذ مطلع القرن الماضي في تخصيص نسبة عالية من موازناتها لهذه المجالات وانقذت نفسها من الثورات الشعبية التي أطاحت بالأنظمة الأخرى القريبة منها. بل إن أوروبا تعتبر من أكثر المناطق تقدما في العالم، على رغم أن نسبة ما تصرفه على الأمن والمخابرات (مع استثناء المصروفات العسكرية) أقل بكثير (في حدود الـ 5 الى 7 في المئة) مما تصرفه أية دولة عربية (معدل 15 الى 20 في المئة). والنتيجة لذلك أن دولة أوروبية متوسطة الحجم (مثل إسبانيا) لديها ناتج وطني أكثر من كل الدول العربية مجتمعة.
وفي البحرين لدينا المشكلة ذاتها، فالمواطن لديه هموم مشتركة جميعها تتركز في الحصول على عمل من أجل الرزق، والحصول على سكن يعيش فيه، وعلى ضمان اجتماعي. وفي الوقت الذي تزداد ثروات عدد محدود من الناس بصورة خيالية تبقى أكثرية المواطنين من دون سكن مناسب ومن دون أمل في الحصول على عمل براتب مناسب.
وزير الأشغال والإسكان فهمي الجودر قال في رد له على أعضاء مجلس النواب إن «مشكلة الإسكان مشكلة متراكمة منذ 13 سنة، وهناك عنصران أساسيان تحتاج إليهما الوزارة لحل المشكلة، هما الأرض والمال». وأضاف: «لو وجدت الأراضي التي من الممكن التنفيذ عليها فإنني لا أعتقد أننا سنواجه أية مشكلة في تنفيذ أي مشروع في أقصر وقت ممكن».
حديث الوزير إنذار بالخطر، فإذا كانت الحكومة عاجزة عن إيجاد الاراضي، فإننا بحاجة إلى مبادرة من نوع مختلف تصدر من قمة الهرم السياسي لإصلاح سياسة الأراضي. فسياسة إصلاح الملكيات كانت حجر الزاوية لكثير من المشروعات الإصلاحية في تاريخ الأمم. وإصلاح الاراضي يعني إعادة صوغ الملكية بحيث تسترجع الدولة الأراضي من الأشخاص الذين استملكوها من دون أن يدفعوا دينارا واحدا (مع تحديد بعض الأراضي لهم بحيث لا يحرمون من كل الممتلكات ويبقون على عيش مرفه او مناسب) وتتم إعادة الأراضي إلى الدولة لتبنى عليها مشروعات إسكانية. قد يكون مثل هذا الاقتراح غريبا، ولكن التاريخ يخبرنا بأن عددا من الدول وجدت أن طريق الإصلاح يصبح مغلقا ما لم تتحرك القيادة العليا بصورة حاسمة وترجع القطع البرية والبحرية والجزر إلى ملكية الدولة، وبعد ذلك تقوم بإنشاء مشروعات إسكانية لأبناء الشعب. ومن دون القيام بمثل هذا العمل ستبقى مشكلة السكن قائمة وستزداد ثروات الأقلية بينما يزداد عدد المحرومين وتكبر الفجوة بين الذين يملكون والذين لا يملكون. وهذه الفجوة هي السبب في انعدام استقرار الدول على مر التاريخ.
مشروعات الإسكان مرتبطة أيضا بمشروعات توفير الأعمال، ومن خلال الإسكان والعمل يتحقق الاستقرار وتتحقق التنمية المستدامة وتبدأ بلداننا باللحاق بالعالم المتقدم... أحلام تبدو بعيدة المنال، ولكنها ليست بعيدة في حال وجدت الارادة، وفي ذلك خير وسعة للجميع
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 647 - الأحد 13 يونيو 2004م الموافق 24 ربيع الثاني 1425هـ