إن مملكة البحرين تزخر بالكم الهائل من الموارد البشرية، وهي السباقة بين دول الخليج خصوصا والدول العربية عموما في تنمية تلك الموارد البشرية وبما اننا نعيش الانفتاح والشفافية وتقبل الرأي الآخر بعيدا عن التمييز الطائفي والعرقي فإننا نرى ان تلك الكوادر ما لم توضع في المكان المناسب ستعيش حالا من الغبن والإحباط. فإنه بحسب تقرير الإحصاءات الصحية التابعة لإدارة المعلومات الصحية لعام 2002 فإن اجمالي عدد حملة الدكتوراه بلغ 680 شخصا، وحملة الماجستير 2157، وحملة البكالوريوس 5254، وحملة الدبلوم العالي 16669، ما يشكل 9,6 في المئة من اجمالي عدد السكان من سن (15 سنة فأكثر) هم من المثقفين وحملة الدرجات العليا. وعلى العكس تماما لو سنحت الفرصة لهذا الكم بأخذ فرصة في الابداع في عمله من خلال تعيينه في إحدى المهمات التابعة لعمله وتخصصه فإنه بلا شك سيعطي بلا حدود.
وهنا يتبادر السؤال بين الكفاءات البشرية: ماذا انجز هذا حتى يعين بهذا المنصب؟ وماذا أعطى ذاك لكي يرفع إلى هذا المقام؟ علما بأن سنوات خبرته قد تكون أقل بكثير من غيره وعطاؤه بالكاد يعرف بين أقرانه، وإن هناك من هم مغمورون يعطون بلا مقابل ويعمرون ويزرعون ويبنون ويتفانون بتقديم أفضل الخدمات ذات الجودة العالية وكلها مبنية على أسس علمية، موظفين ما درسوه وتعلموه وتربوا عليه من علم وخلق حتى صار مزيجا لو سكب على الخراب لعدل ولو وقع على الفساد لصحح، وإذ إن الجميع يريد مصلحة الوطن والمواطن فإننا نقر بأن المصلحة لا تكون إلا بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، على أن يترك فترة ما لم يرى أنه يبدع في عمله نحو الأفضل ويطور من مستوى أداء الفريق الذي يعمل معه وينجز ما هو مطلوب منه، واضعا الخطط المستقبلية نصب عينيه ويتحرك وفق هذه الخطط المدروسة عمليا والرصينة فكريا والبناءة عطاء، واضعا نصب عينه رفعة شأن الوطن، يذوب عشقا في ترابة لينجز الكثير من دون منّة بل له المنّة وكلما رأى أن بذور عطائه تكبر أمام ناظره وإن حصاده يزدهر أمام عينيه فرح بذلك وازداد عطاء وتفانيا وإخلاصا محبة لتراب وطنه.
لذلك فإننا نقترح تشكيل لجنة تسمى اللجنة العليا لتعيين رؤساء الأقسام - الاداريين - مديري الإدارات بالقطاع العام تتبع ديوان الخدمة المدنية يرأسها الوكيل المساعد للتنظيم والإدارة وتتكون من أعضاء كالوكلاء المساعدين للشئون الادارية التابعين للوزارات والمؤسسات الحكومية. تختص هذه اللجنة بالنظر في الطلبات المقدمة بعد الإعلان عن الوظائف الإدارية العليا (الدرجة العاشرة وأعلى) الشاغرة بالوزارات وأخذ القرارات المناسبة في تحديد ما تراه مناسبا بناء على علمه وكفاءته وسنوات خبرته وانجازاته على مستوى عمله ومستوى بلده، على أن تضع تلك اللجنة برنامجا واضحا تسير عليه ضمن استمارة تعد لهذا الغرض، وبعد دراسة ملفات الموظفين المتقدمين لتلك المناصب الإدارية من قبل كل من الوكلاء المساعدين المعنيين تملأ تلك الاستمارة من قبل كل منهم على حده وترفع الى الوكيل المساعد للتنظيم والإدارة بديوان الخدمة المدنية، على أن يحدد لاحقا في اجتماع آخر بناء على عدد الأصوات بشأن الموظف المرشح للوظيفة الإدارية المعلن عنها، على أن ترفع توصية اللجنة إلى رئاسة مجلس الوزراء لإقرار المرشح المعني رسميا بالنسبة إلى الدرجات التنفيذية 3 و4، وأن تكون اللجنة مسئولة كليا عن قراراتها أمام الموظفين، ونستبعد بذلك الترشيحات المصاحبة بالتزكية الشخصية من دون النظر إلى الكفاءات وتكافؤ الفرص.
علما بأن بعض الوزارات أصدرت بعض التعميمات مفادها أنه سيتم منح بعض الإدارات الصغيرة والمتوسطة الحجم (اقل من 100 موظف) صلاحية ترقية الموظفين في حدود الإدارة، أما الإدارات الكبيرة فإنه من المقترح أن تمنح صلاحية ترقية الموظفين في حدود القسم نفسه. كما ان (الترقية المراد اقتراحها تخص مدير الإدارة أو من في حكمه أو رؤساء الأقسام في الخط الإشرافي الثاني، فإنه من غير الضروري تشكيل اللجان وإنما يمكن مراجعة واعتماد الترقية من قبل الوكيل المساعد المختص). هذا به مفارقات كبيرة قد تقع وقعها على الموظفين. فالكفاءات من خارج حدود الإدارة المعنية ينظرون إلى أحد زملائهم الموظف بالدائرة الذي لا يحمل الكفاءة أو الخبرة ولكن قد تمت تزكيته وترقيته إلى رئيس قسم أو مدير أو إداري بينما هم مغمورون يعملون بجد، بعضهم أعلى كفاءة وخبرة من زميلهم المرقى في إدارة أخرى، ولهذا قد نجد ان هناك من يحمل وظيفة رئيس قسم أو إداري ولكنه لا يتجاوز شهادة الثانوية العامة مع بعض الدورات التي اكتسبها داخليا والتي أن جمعها لا تعادل شهادة الدبلوم بينما هناك الكثير من الكفاءات في الإدارات الأخرى تحمل أعلى الشهادات والجميع يشهد لعملهم وحماسهم وتطويرهم للأقسام التي وقعت تحت إدارتهم، ينظرون بحسرة إلى زميلهم المعين وكيف لم يمنحوهم الفرصة لإثبات وجودهم؟
لذلك فإننا نرى في هذا إجحاف كبير لباقي الموظفين العاملين في إدارات أخرى لا تتبع الوكيل المساعد المختص، فكيف ستمرر الترقيات من دون تشكيل لجان؟ ولم تقتصر الترقيات داخل القسم. نعتقد بأننا بحاجة إلى الانتقال إلى اللامركزية في الإدارة ليس على مستوى القسم أو الإدارة التابعة إلى إحدى الوزارات المعنية ولكن على مستوى ديوان الخدمة المدنية عموما. أرجو أن تؤخذ هذه الاقتراحات بعين الاعتبار لما له من تأثير على الإنتاجية وتعزيز مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص على مستوى القطاع العام.
قد يعارض البعض تلك الاقتراحات من الذين يجدون في ذلك سحبا لصلاحياتهم في الترقيات التي تتبع إداراتهم ولكننا نجد ان هذا الإجراء إذا عمم على جميع الوزارات سيكون وقعه في نفوسهم أقل أثرا وإن علينا جميعا أن نعيش الإدارة العلمية الشفافية المبنية على الكفاءات خدمة لوطننا العزيز ورقيا للخدمات المقدمة في القطاع العام
إقرأ أيضا لـ "جميلة السماك"العدد 646 - السبت 12 يونيو 2004م الموافق 23 ربيع الثاني 1425هـ