تعالت أصوات التجار من جديد رافضة املاءات «البحرنة» الرسمية، وهذا الرفض من القطاع الخاص ليس حديثا فمن قبله تعالت أصوات قطاع المقاولات والإنشاءات لسببين لا يمكن اغفال وجاهتهما، الأول لعدم وجود العمالة المدربة والثاني لعدم رغبة وجدية البحرينيين في طلب هذه الوظائف.
والحكومة من جانبها، وتحت الضغوط المتزايدة كل عام مع ازدياد عدد العاطلين كما حددته دراسة «ماكنزي» بنسبة 15 في المئة أي بوجود 20 ألف عاطل عن العمل (تقل الأرقام الرسمية إلى 16 ألف عاطل)، لا تجد بدّا من اشراك القطاع الخاص في تحمل بعض من همها.
وبحسب الأرقام فان سوق العمل توفر سنويا نحو 5000 وظيفة ما بين الوظائف الجدد التي يولدها النمو الاقتصادي والناتجة عن سياسات الاحلال سواء للأجانب أو للعمالة المتقاعدة الا أن المؤسسات التعليمية تخرج إلى سوق العمل سنويا أكثر من ذلك يضاف إليهم المتسربون الذين يشكلون نسبة لا يستهان بها من الباحثين عن عمل، فبحسب الأرقام الرسمية يشكل حملة الثانوية العامة فما دونها 92 في المئة من اجمالي العاطلين أما المتسربون قبل بلوغ مرحلة الشهادة الثانوية فيشكلون 52 في المئة، والغريب أن كل هؤلاء يرون لهم حقا أصيلا في الحصول على وظيفة اللياقة البيضاء ويرون في كونهم بحرينيين مؤهلا كافيا لذلك.
والصورة لا تبدو أكثر اشراقا إذا ما وفقت الحكومة إلى تنفيذ برنامجها وهو السعي إلى تحقيق نسبة نمو تتراوح ما بين 5 في المئة و6 في المئة سنويا لتوليد ما بين 7000 و8000 وظيفة سنويا.
وهنا لابد من الاشارة إلى أن الخلل ليس فقط في وجود الفائض الكبير من الباحثين عن عمل مقارنة بالمتوافر من الوظائف وانما في جودة وجدية العمالة البحرينية الباحثة عن عمل. فالواضح أن البحرينيين أصبحوا «يستسهلون» الحصول على الوظيفة بسبب قوانين وأنظمة «البحرنة» وبالتالي فلا يظهرون أي حرص على الوظيفة التي يشغلونها، ريثما ينتقلون إلى غيرها.
ولا يصعب على المتسوق في محلات التجزئة الصغيرة والكبرى، مادامت هي التي جأرت بالشكوى هذه المرة، وفي المطاعم وغيرها من الأماكن التي تتطلب مهارات معينة في التعامل مع الزبون أن يلمس افتقار عدد كبير من كثير من البحرينيين (وليس جميعهم) إلى هذه المهارات بل ان البعض لا يتردد في انتقاد مؤسسته وتوجيه الزبون إلى منافس لها، ربما من باب الانتقام لعدم رضاه عن وضعه. فالمشكلة تبدو صعبة ومتشعبة وذات صلة وثيقة جدا بثقافة الجدية والاخلاص والولاء إلى المؤسسة التي ينضم إليها الفرد ومنها يكسب معيشته ما أدى إلى ايجاد حاجز من عدم الثقة بين أرباب العمل و«البحرينيين» المرتقب دخولهم إلى سوق العمل. ان الأرقام السابقة توضح أن وزارة العمل لا تلام أبدا ان بحثت عن شركاء في تحمل هذا الهم الكبير ولكن القطاع الخاص من جانبه قطاع تهمه الربحية بالدرجة الأولى (دون التشكيك في مسألة الوطنية)، ويبدو «تدبيسه» في عمالة غير تلك التي يرى أنها الأنسب لتسيير عمله، أيضا غير منصف، والاجدى من ذلك، بالاضافة إلى توجيه الاستراتيجية الاقتصادية الشاملة إلى جذب المزيد من الاستثمارات التي تولد فرص العمل، الاتجاه إلى حلول كثيرة منها على سبيل المثال البحث عن وسائل لتنمية جودة الباحثين عن عمل، وربط البرامج التعليمية والتدريبية باحتياجات السوق، وتنمية ثقافة مجتمعية تتناسب مع تطورات سوق العمل في ظل انفتاح مقبل وما يجلبه من منافسة من الداخل والخارج
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 646 - السبت 12 يونيو 2004م الموافق 23 ربيع الثاني 1425هـ