رفض الرئيس المصري حسني مبارك أن يتوجه إلى جورجيا تلبية لدعوة من الرئيس الأميركي جورج بوش إلى المشاركة في القمة الاقتصادية العالمية، وقال مبارك إنه ليس على استعداد للجلوس على طاولة واحدة أمام مسئولين لا هم لهم سوى إملاء الأوامر على العرب وتعليمهم أصول الديمقراطية. مغامرة حرب العراق ونتائجها الكارثية وسلوك الجنود الأميركيين في غوانتنامو وسجن أبوغريب وحرب بوتين الخاصة في الشيشان والتحيز السافر للغرب تجاه «إسرائيل» وخصوصا موافقة بوش على أن تحتفظ «إسرائيل» بغالبية المستوطنات غير المشروعة في الضفة الغربية وضمها لأراضيها ومنحها حق ترسيم حدودها مع مناطق الفلسطينيين كما يحلو لها والإذعان لشارون بفرض عزلة على ياسر عرفات... كلها مجتمعة جعلت العرب يشعرون بريبة لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يدعو ضمن ما يدعو إليه إلى صون حقوق الإنسان في العالم العربي.
لكن ماذا عن حقوق الإنسان في الغرب؟ فيما ألغت تركيا عقوبة الإعدام من قوانينها مازالت الولايات المتحدة تتمسك بقانون الإعدام، وليس نادرا أن يتم التمييز بين إعدام السجناء السود بنسبة أقل من البيض. كما ترفض الولايات المتحدة الاعتراف وتوقيع الاتفاق المتعلق بقيام محكمة جزاء دولية للنظر في جرائم الحرب، ووقَّعت اتفاقات ثنائية مع دول حليفة لها منعا لتسليم مواطنين أميركيين لهذه المحكمة في حال اتهموا بارتكاب جرائم حرب. ووقعت جرائم حرب في العراق سببت أبلغ حرج لإدارة بوش.
التقرير السنوي الأخير الذي قدمته منظمة العفو الدولية يشير إلى أن الحكومات الأوروبية استمرت خلال العام الماضي ومازالت تعمل في تقويض حقوق الإنسان تحت ستار مكافحة الإرهاب من خلال قوانينها وإجراءاتها العملية. ويأتي العرب والمسلمون في مقدمة الضحايا. وجاء في تقرير الهيئة الأوروبية لمناهضة العنصرية المنبثقة عن المفوضية الأوروبية أنه نشأت موجة شديدة معادية للمسلمين والإسلام في أوروبا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 وبعد تفجيرات مدريد بتاريخ الحادي عشر من مارس/ آذار الماضي. ويتفق المراقبون على أن مكافحة الإرهاب جعلت حياة المسلمين في أوروبا البالغ عددهم نحو 14 مليون مسلم أكثر صعوبة من السابق. فبالكاد يملك الفرد العربي والمسلم فرصة للحصول على وظيفة عمل في شركة أوروبية، بينما تعمل بلدان متزايدة في أوروبا بحظر الحجاب معتبرة إياه وسيلة لنشر الإسلام داخل مجتمعاتها.
قيود الكترونية للمسلمين!
ولا تقر دول أوروبية كثيرة أنها من خلال العمل بإجراءات قاسية تجاه العرب والمسلمين وضعت نفسها في مستوى واحد مع البلدان التي توجه إليها اتهامات بخرق حقوق الإنسان. وقال وزير الداخلية الألماني أوتو شيلي الذي اعتاد العرب على تصريحاته المعادية للإسلام في مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» أخيرا: «إذا طلب الإسلاميون الموت فسيرونه». وكان شيلي يشير إلى طريقة تعامل الدولة في وقف خطر الإسلاميين المتطرفين. وطالب زميله وزير داخلية ولاية بافاريا غونتر بيكشتاين الأسبوع الماضي بتقييد أرجل الإسلاميين بقيود إلكترونية تحدد أماكن وجودهم.
واتهمت منظمة العفو الدولية الأوروبيين باستغلال مكافحة الإرهاب للخروج عن القانون. وهكذا ظل 14 مواطنا أجنبيا قيد الاحتجاز في سجون بريطانيا بعد تعذر إبعادهم على رغم أن قوانينها لا تسمح باحتجاز حرية الأشخاص إلى أجل غير مسمى من دون تهمة أو محاكمة. ومازال يجري اعتقال الأشخاص على أراضيها بموجب تشريع «مناهضة الإرهاب» ويخضعون لنظم وقيود بالغة الصرامة.
وواصلت إسبانيا خلال العام 2003 تجاهلها للتوصيات التي أصدرتها هيئات دولية شتى منذ أمد بعيد بوضع ضمانات أكبر للمشتبه بهم وتحتجزهم بموجب تشريع «مناهضة الإرهاب». بل تعتزم إسبانيا زيادة فترة احتجاز الأشخاص بمعزل عن العالم الخارجي إلى أكثر من ضعف المدة المعمول بها حاليا. كما أغلقت السلطات الإسبانية الصحيفة الوحيدة التي تصدر بلغة إقليم الباسك واعتقلت عشرة من العاملين فيها بموجب التشريع نفسه، وهذه إجراءات تشير إلى أنها تمثل عدوانا على الحق في حرية التعبير عن الرأي.
الأوزبك والتركمان أيضا!
ولجأت السلطات في أوزبكستان إلى ذريعة الحرب المناهضة للإرهاب لتبرير استمرار حملتها على المعارضين الدينيين والسياسيين. ولايزال ستة آلاف من السجناء السياسيين على الأقل في غياهب السجون. كما كان أعضاء الطوائف الدينية الإسلامية المستقلة من بين الذين تعرضوا للاعتقال والترهيب. واستمرت في تركمنستان موجة قمع مماثلة في أعقاب ما زعم أنها محاولة لاغتيال الرئيس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 وأدين عشرات الأشخاص بعد توجيه اتهامات جائرة لهم.
أما الجهود الحكومية للحد من نصوص القوانين الخاصة باللجوء والهجرة فقد تم تغليفها بمقولات جديدة مثل الأمن القومي ومناهضة الإرهاب والتركيز على الرقابة بدلا من الحماية. ويسود دول الاتحاد الأوروبي عموما منذ هجمات سبتمبر منظور آخر عن حقوق الإنسان، واتخذت دوله إجراءات لإغلاق حدودها بوجه اللاجئين متذرعة بالحماية الأمنية. حتى هولندا الليبرالية تعرضت لانتقادات لم تعرها أهمية. فالجاليات الإسلامية في مدينة روتردام تواجه حملة شرسة، كما تفكر هولندا التي كانت بطلة الليبرالية في منح حق اللجوء للوافدين إلى أراضيها هربا من الحروب والفقر في تنظيم عمليات واسعة لإبعاد اللاجئين.
وكان واضحا في تقرير منظمة العفو الدولية أن أكثر ما يخشاه المواطنون الأجانب في أوروبا هو تنامي العنصرية والتمييز والتعصب، وخصوصا نزعة الخوف غير المتعقل من الإسلام والذي يستند على أحكام جائرة. وهذه النزعة تزداد انتشارا بصورة مقلقة جدا، عدا أن العنصرية في أوروبا متفشية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحرض عليها أيضا صحف شعبية وتيارات إعلامية مناهضة لقضايا العرب والإسلام.
اضطهاد الغجر
عاد اضطهاد الغجر في أوروبا من خلال نزاع البلقان. وعلى رغم أن ألمانيا النازية عاملت الغجر أسوأ معاملة فإن ممثلي الغجر لم ينجحوا حتى اليوم في الحصول على تعويضات مثلما حصل عليها يهود الهولوكوست وأبناؤهم وأحفادهم. ويعيش في روسيا أشخاص حرمتهم الدولة من الجنسية يطل عليهم شعب «المسخيت» وهؤلاء لا يتمتعون بحقوق مثل معاشات التقاعد ولا معونات الأطفال ولا التعليم العالي.
وظلت العنصرية تمثل الخلفية الرئيسية لانتهاكات حقوق الإنسان من قبل موظفين في مؤسسات قضائية أوروبية. وتسجل منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان بازدياد شكاوى بأن حماة القانون يخالفون القانون، وتقاعسهم عن التحقيق ومعاقبة الأشخاص الذين يرتكبون مخالفات عنصرية ضد أفراد ينتمون لأقليات لا تتوافر حماية الدولة لها.
كما تعمل دول بتعذيب المعتقلين في السجون وممارسة الاحتجاز غير المبرر للأفراد، كما نشأت مناقشات في ألمانيا على سبيل المثال بشأن إمكان السماح بتعذيب المعتقلين لإجبارهم على تقديم معلومات. ولا تختلف هذه الأساليب في ألبانيا وجمهورية الجبل الأسود عن مثيلاتها في ألمانيا وبريطانيا. كما أن مجموعة الدول التي كانت في السابق تابعة للمعسكر الاشتراكي وتنتمي اليوم إلى الاتحاد الأوروبي أو مرشحة للانضمام إليه، مازالت تعمل بقوانين يعود عهدها إلى زمن الحرب الباردة. وفي كثير منها مازال بعض المعتقلين يخضعون إلى تعذيب نفسي. ومازال كثيرون من الذين ارتكبوا جرائم حرب في البلقان أحرارا، أبرزهم الزعيم الصربي رادوفان كارادزيتش والجنرال ملاديتش. كما لم يتضح مصير آلاف الأشخاص الذين اختفت آثارهم خلال حرب البوسنة في الفترة من العام 1992 إلى العام 1995. وإن كان البعض مَثُل أمام محكمة جرائم الحرب في لاهاي فإن انعدام الرغبة السياسية من أبرز أسباب تمتع كارادزيتش وملاديتش بالحرية حتى اليوم ويعبر عن الإزدواجية، لأن ما يريد البعض تطبيقه على صدام حسين كان لديه الوقت الطويل ليطبقه على مجرمي الحرب الصربيين
العدد 645 - الجمعة 11 يونيو 2004م الموافق 22 ربيع الثاني 1425هـ