يتوجه الرئيس بشار الأسد قريبا الى بكين في اول زيارة له الى الصين، وطبقا لمصادر في دمشق، فان هدف الزيارة تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين، والتباحث في الموقف من التطورات الجارية، ولاسيما الاوضاع في الشرق الاوسط، خصوصا في ضوء تنامي الاهتمامات الصينية بالمنطقة ومستقبلها، وتعيين مبعوث صيني خاص لمتابعة تطورات عملية السلام في الشرق الأوسط.
وتندرج زيارة الاسد الى الصين في اطار تحرك سياسي سوري في اتجاهين: اقليمي ودولي، هدفه تعزيز الموقف السوري ازاء التحديات التي تواجهها دمشق وتداعياتها الخارجية والداخلية وخصوصا بعد فرض العقوبات الاقتصادية الاميركية عليها الشهر الماضي.
ويشمل التحرك السياسي السوري، محاور ثلاثة، اولها سلسلة زيارات للرئيس الاسد، جاء في اطارها مشاركة الاسد في القمة العربية التي انعقدت في تونس أخيرا، وقد حصلت سورية من خلالها على دعم عربي في مواجهة العقوبات الاميركية ضدها، وعقب مشاركة الاسد في القمة قام بزيارة الى إسبانيا، إذ اجرى مع المسئولين فيها مباحثات هدفها تعزيز العلاقات الثنائية، ودعم موقف سورية في موضوع الشراكة السورية الاوروبية، وجاءت نتائج الزيارة في هذا السياق، اعقبها قيام الرئيس الاسد بزيارة للكويت، التي جاءت في سياق تعزيز العلاقات الثنائية بعد فترة من البرود اصابت العلاقات السورية - الكويتية على خلفية الحرب الاميركية على العراق واختلاف موقف البلدين منها، وقد اعادت الزيارة الدفء الى علاقات دمشق - الكويت، ودعمت العلاقات بينهما، فيما أكدت الكويت معارضتها فرض العقوبات الاميركية على سورية.
وتماثل نتائج زيارة الاسد للكويت النتائج المتوقعة لزيارته القريبة للصين، إذ من المتوقع تعزيز علاقات دمشق مع بكين، وتأكيد الاخيرة معارضتها العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على سورية.
والمحور الثاني في التحرك السوري، ابداء ليونة في المواقف السورية ولاسيما في الموضوعات التي تبدو ضاغطة بالنسبة إلى دمشق، كما في العلاقات السورية - العراقية، بحيث عارضت دمشق على لسان الرئيس الاسد ووزير الخارجية فاروق الشرع انتقادات وجهتها اذاعة دمشق إلى الحكومة العراقية الجديدة، واكدت رغبة دمشق في علاقات افضل مع الحكومة العراقية، وقد ترافق ذلك مع إشارة سورية واضحة وقوية بأن الموقف السوري الانتخابات الرئاسية اللبنانية هو موقف حيادي، تقف سورية خلاله على مسافة واحدة من الجميع، الامر الذي يشير الى عدم رغبة دمشق التدخل في استحقاق الرئاسة اللبنانية المقبلة سواء كان بانتخاب رئيس جديد، او بالتمديد للرئيس الحالي اميل لحود، على رغم ان الخيار الاخير ربما كان الاقرب الى سورية في لبنان.
واذا اضفنا الاشارتين السوريتين بصدد العراق ولبنان الى اشارات استحسان السياسة التركية التي اطلقتها دمشق حيال انقرة بعد مواقف الاخيرة في موقفها من السياسات الاسرائيلية حيال الفلسطينيين في وقت تسجل العلاقات السورية - التركية افضل مستوى لها، فإن ذلك يعزز توجه سورية الى تحسين علاقاتها مع دول الجوار، الامر الذي يمكن ان يساعدها في مواجهة العقوبات الاميركية، وفي مواجهة ضغوطات واشنطن وتهديدات «اسرائيل» التي اطلقها المسئولون الاسرائيليون أخيرا.
اما المحور الثالث في التحرك السياسي السوري، فهو استقبال دمشق الكثير من الرسمين العرب والاجانب في الاونة الاخيرة في اطار تشاور دمشق مع الدول الاخرى بشأن التطورات السياسية في المنطقة وتعزيز العلاقات الثنائية، وكان بين آخر زوار العاصمة السورية في الاسبوع الماضي، وزيرة الدولة البريطانية لشئون الشرق الاوسط، التي حملت رسالة من رئيس الوزراء البريطاني للرئيس الاسد، فيما أكدت مباحثات الوزيرة البريطانية مع المسئولين السوريين على اهمية تطوير العلاقات الثنائية بين دمشق ولندن.
التحرك السياسي السوري في محاوره الثلاثة، يعكس محاولة سورية نشطة للتعاطي مع التطورات الجارية في المنطقة ولاسيما التطورات الأكثر صلة بسياسة دمشق. وعلى رغم ان آراء كثيرة تميل الى قول، إن نتائج التحرك السياسي، قد لا تلبي الطموحات السورية بما يكفي، فإن التحرك سيفيد في تحريك الاجواء السياسية المحيطة بدمشق، بدلا من تجميدها واعطائها طابعا سكونيا، بحجة الضعف الشديد السائد في المحيط الاقليمي العربي والدولي في مواجهة الارادات والسياسات الاميركية، ومنها العقوبات المفروضة على دمشق والضغوطات التي تتعرض لها
العدد 645 - الجمعة 11 يونيو 2004م الموافق 22 ربيع الثاني 1425هـ