من أراد أن يتجول في سجن أبوغريب الكبير الذي أبى إلا الاحتفاظ ببشاعته الإنسانية وصورها المؤلمة حتى بعد سقوط تمثال بطله المغوار صدام حسين، من أراد أن يتجول في هذا السجن فليتجول في السوق المركزي الكبير، السوق التي تمول كل أسواق مملكة البحرين الحديثة بالخضار والفواكه!

هذه «الچبرة» التي لا تقي من حر أو برد والتي لا تصلح حتى حظيرة للمواشي، مازال الكثير من آبائنا يقضون فيها أكثر من نصف يومهم طلبا للرزق الذي يستنزف العرق والأرق من جباههم السمر، ليذهب كثير منهم إلى منزله عند غروب الشمس من دون ما يكفيه لسد جوع عياله المنتظرين عودته كل مساء.

حال هذه السوق الواقعة بين مبنيين تجاريين حديثين تابعين للبلدية، هما مجمع مارينا مول ومجمع اللؤلؤ، حال يرثى لها فهي في الشتاء مستنقع لتجمع الأمطار، وفي الصيف تماما كالفرن أو أشد حرا، سوق تخلو من أبسط احتياجات «الدواب» فضلا عن «الآدميين» فحتى المراوح التي وضعت لتحريك السموم اللاهب في الصيف لا تعمل كلها، فأي زبون ترى يمكن له أن يتجول في سوق كهذه مع توافر المجمعات التجارية التي تقيه الحر والبرد، وتجعل منه سائحا يتنزه في حديقة اصطناعية مصممة بأحدث الخطط الهندسية؟

وعود التطوير الوردية التي تلقاها باعة السوق المركزي لا تعد ولا تحصى كان آخرها وعد وزير شئون البلديات والزراعة محمدعلي الستري في الهواء الطلق عندما قام بجولة في السوق نفسه قبل أكثر من عام، وأكد أن تطوير «سوق الآباء» من الأولويات! ونامت تلك الوعود في العسل تنتظر من يوقظها.

في عصر المجمعات التجارية، هل من المستحيل بناء مجمع على موقع السوق المركزي نفسه؟ ليس على غرار مجمعي السيف والعالي، بل على غرار مجمعي مارينا مول واللؤلؤ ليضم «الليلام» و «الفرشات» والمقاهي الشعبية في السوقين؟ الأرض التي تقع عليها السوق لا تزيد عن الأرض التي يقع عليها مجمع السيف، ولا أعتقد أن سوقا كـ «المركزي» لا تستحق صرف الملايين لتطويرها لإضافة صرح اقتصادي جديد في قلب العاصمة، وخصوصا بعد عقد العزم على تطوير السوق القديم، فمتى يستبدل سجن أبوغريب في البحرين بصرح شامخ يعكس صورة النهضة الاقتصادية في هذا البلد الطيب