أخي عباس، قرأت مقالك الرشيق يوم أمس، حزنت كثيرا لأني أعلم أن لغة الدمع هي لغة الكثير من متفوقي البحرين. هؤلاء الذين استظلوا بالشمس ذات يوم لكنهم غير بعيدي المنال عن عاصفة المستقبل. تعبوا، سهروا وتفوقوا لكن ليس بالضرورة أن يحصلوا على عمل وليس بالضرورة أن يوفقوا للحصول على البعثات، فالألغام كثيرة ومنها ذلك اللغم، لغم التمييز الذي مازلنا نعمل على تغذيته ونحن نرتل كل صباح المادة المقدسة من الدستور التي تتحدث عن تكافؤ الفرص بين المواطنين. نقنع أنفسنا أحيانا بذلك لكن الأرقام ولغة الوثائق زادتنا دموعا ومازالت تشعرنا بأمورٍ يصعب ذكرها لولا بوارق أملٍ مازلنا نحلم بها ونخالها اليوم تتحول إلى قناديل مساواة قد تضيء عتمة أطفأ شموع حارتها ذات يوم بعض النواب الذين طالما رددوا في خطب الجمعة أن رسول الله (ص) كان يقول «لا فضل لأبيض على أسود» لكنهم وقفوا ضد اقتراح قانون يجرم التمييز.
ولعلك تذكر تصريح أحد المسئولين وهو يقول «إن تجريم التمييز قد يسبب هروب المستثمرين» ذلك أمر صحيح، ألا ترى أن الديمقراطية في اليابان أفسدت صناعتها وكذلك بريطانيا؟! هل تعلم أخي عباس أن الهند بلد الطوائف والأعراق انتصرت يوم قبلت باللعبة الديمقراطية؟ وانتصرت ماليزيا يوم اختزلت كل الأعراق ووقفت ضد التمييز؟ ولك ان تقرأ كتاب صوت آسيا لمهاتير محمد وشنتارو ايتيهارا المؤلف الياباني ليرياك كيف تتقدم الأمم.
أنا أعلم انك حزنت لتصريح الطالب الحائز على المركز الرابع على قائمة المتفوقين في التعليم الصناعي والذي كانت أمنيته حين تمنى، أن يحصل على راتب أكثر من 150 أو 180 دينارا، أقول: أنا أعلم أنك حزنت لذلك ولكن أخي عباس، هل تعلم أن هناك عددا كبيرا من الشباب البحريني يحلم بذلك؟ قبل أسبوعين اتصل بي شاب متفوق ابن لعائلة ارستقراطية كان أبوه يحظى بمركز كبير، كانت عباراته دموعا، حدثني متألما... يملك كل شيء، من كان معه من الطلاب في المدرسة الخاصة كلهم وظفوا إلا هو. عقدت معه لقاء... جاءني بسيارته الفارهة لكن وجدته جمرة تغلي. قلت له: كل شيء متوافر عندك، لماذا أنت حزين؟ قال: نعم أبي لا يبخل عليّ بشيء، أنا لا أريد مالا، أريد أن أرى كياني، أرى ذاتي، أريد أن أعمل كما الآخرين، لا أريد أن أعتمد على أبي، نحن بخير، ولكن هل تصدق يا سيد، ان أصدقائي كلهم عملوا وبرواتب مغرية في مصارف، في وزارات، إلا أنا. سأريك شهاداتي إن أردت، أنا متفوق. ومن كانوا أقل مني حصلوا على أعمال إلا أنا... أنا أموت يوميا بسبب ذلك. سؤالي لك يا سيد: لماذا هذا الوضع؟! هدأت من روعه وقلت له: نحن نعمل وكثير مثلنا يعملون لتذويب هذه السياسات وكل أملنا أن يعمل جلالة الملك بمشروعه لإزالة الفوارق.
لهذا أدعو شبابنا للذهاب إلى وزارة الداخلية طلبا لإحلالهم مكان وظائف الأجانب، فلقد سررنا جميعا بالمقابلة التي عرضت في الصحافة مع وزير الداخلية بتاريخ 9 يونيو/ حزيران 2004، إذ عندما سئل عن التمييز بين المواطنين في التوظيف في سلك الأمن، قال الوزير: «سأقرن القول بالعمل... مسئولية الأمن هي مسئولية أبناء البلد جميعا، وسيطبق التقييم على جميع المتقدمين، واننا سنركز على بناء الثقة ليعرف الجميع أن قوة الأمن العام هي لحمايتهم جميعا من دون تمييز».
لذلك علينا أن نتعاون مع الوزير وأن ندعمه في توجهاته ونثبت له وللجميع أن شباب البحرين هم أحق بأمنها، يحافظون عليه، يرفضون أية خطوة تهدد الأمن، ويكون تركيز الثقة من الاثنين، بذلك سنربح البحرين.
أقول ذلك لأنه أحزنني ألا ضابط ولا رائد ولا... من الطائفة الشيعية الكريمة... لا أقول ذلك من منطلق طائفي - فلا أحد يستطيع أن يزايد عليّ في وطنيتي وحبي للوحدة الوطنية - ولكن أؤمن بقاعدة (عدم دس الرأس في الرمال) والتصحيح لا يكون إلا بحل المشكلات والعقبات بكل مسئولية، ولأن البطالة أصبحت كالمطرقة على رؤوسنا، فيجب أن نمتلك شجاعة مانديلا حين راح يدعو لإزالة الفوارق ودعم الوحدة الوطنية.
أخي عباس، هل تعلم لماذا بقيت خريجات الخدمة الاجتماعية واقفات بدموعهن في محطات البطالة؟ بعضهن من أولى الدفعات... كل من معهن توظفن وهن بقين بلا عمل! قائمة أسماء من تم توظيفهن بين يدي... لن أجيبك علّ مدير التوظيف في وزارة التربية صبري عبدالهادي يجيبك. أخي عباس، كثير من العاطلين (تخصص حاسوب) يستطيعون أن يعملوا في الوزارة بدلا من الأجانب، كثير من حاملي شهادة الدبلوم في الإدارة العامة عاطلون، لكن عددا كبيرا من حاملي الثانوية أصبحوا في وظيفة سكرتير في الوزارة وفي غيرها! هل تعلم بالمعايير التي توضع لتعيين المديرين ومساعدي المديرين واختصاصيي المناهج؟ اعلم أنك مثلي لا تعلم. قبل أيام وصلني ملف لمواطن في شركة كبرى مازلت أحترمها، لكني حزنت لما قرأت في التقرير والوثائق. اتصلت بالشركة ووعدوني بإصلاح الأمر لهذه الكفاءة التي يراد القاؤها على الرف.
أخي عباس، ألم تسمع المفكر المصري قاسم أمين؟ كان يقول: «لا شيء يصيرنا عظماء مثل الألم العظيم». ودعني أصدقك القول حين أقول لك إن التمييز له ألوان وألوان، ففي مؤسسة الأوقاف يمارس تمييز بين أفراد الطائفة ذاتها وفي وزارة الإعلام يمارس بين أبناء الطائفة الأخرى ذاتها وهكذا... ولن يوحد أبناء الطائفتين اللتين يمارس التمييز ضدهما إلا الوطن. هل تعلم أن الاتصالات التي تأتيني من موظفي الإعلام وما يعانونه من آلام بعض المسئولين هم من الطائفة السنية الكريمة؟ لذلك لن أتوانى في الدفاع عنهم وعن أحزان وزارة الإعلام، لأننا كلنا مواطنون.
أخي عباس، إن دمعة ذلك الطالب عزيزة، لأن دمعة البطل عزيزة. ولكن نقول كما قال أوفيد: «السواقي الصغيرة تصنع النهر الكبير»
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 644 - الخميس 10 يونيو 2004م الموافق 21 ربيع الثاني 1425هـ