شعرت بالألم وأنا أقرأ تصريح الطالب الحائز على المركز الرابع على قائمة المتفوقين في التعليم الصناعي وهو من مدرسة الجابرية الثانوية، الذي يقول فيه إنه يتمنى الحصول على راتب أكبر من 150 أو 180 دينارا.
أي تربية هذه التي تغرس في نفوس الطلبة بأن التعليم والشهادة والتفوق لا يمكن أن تعني - ولو على مستوى الحلم فقط تجاوز خط الفقر؟ وأي مستقبل ينتظر البلد إذا كان متفوقوها لا يحلمون، بل لا يحلمون بأنهم سيحلمون يوما.
هل قتل سوء الحال في أبنائنا الحلم، والرغبة في أن يكونوا أغنياء ومشهورين، وفي أن يحظوا بمكانة اقتصادية واجتماعية مرموقة، مثلهم مثل أي شباب.
هل أدت التجربة العلمية التي شاهدها المتفوقون بأنفسهم، والتي تثبت أن شهادة التفوق تصبح أحيانا كثيرة كأن لم تكن، خصوصا إذا نافست شهادات أخرى إلى تصريحات أشبه باليائسة يطلقها الشباب والشابات.
إذا كان الطالب المتفوق ينتظر راتبا متواضعا كهذا، لا يمكن أن يساعده على بناء مستقبله، في ظل ما نعرف عن متطلبات الحياة ومستلزماتها التي لا تنتهي، وأقل من الحد الأدنى للأسرة البحرينية لترتفع عن حال الكفاف والمقدر بنحو 350 دينارا... فلنا أن نتصور ماذا ينتظر الطالب غير المتفوق، أو ذاك الذي يعاني من صعوبات في التعلم.
لعل كل هؤلاء ينتظرون إما العمل براتب شبيه، أو الانضمام إلى عشرات الآلاف من العاطلين عن العمل الذين فشلت مؤسسات الدولة في استيعابهم، رامية عليهم بأخطائها، مرددة مرات ومرات بأن هؤلاء لا يرغبون العمل من الليل إلى النهار في ظل أوضاع عمل سيئة براتب غير مقنع.
وتؤكد الدولة وهي تحلف بأغلظ الإيمان أن لا تمييز في الوظائف، وأن الكفاءة هي الأساس في التعيينات والترقيات، في حين تسد عين الشمس كل التمييزات الطائفية والعرقية التي تمارس جهارا بيانا في المؤسسات الرسمية المختلفة. ويمكن البحث عن قوائم التوظيف في أحد المراكز البحثية، ونوعية التوظيفات التي تتم، فضلا عن نوع الباحثين الذين يستضافون للتأكد من تطبيق شعار المساواة، كما ينسحب ادعاء المساواة على مؤسسات حديثة العهد أنشئت بعيد بدء المشروع الإصلاحي.
وفي حين يجد البعض الوظائف أمامه مفتوحة في كل مكان، فتراه ينتقل من مؤسسة حكومية إلى أخرى بغض النظر عن عمره ومستواه التعليمي وكفاءته، لا يجد آخرون إلا رسائل الاعتذار، إذا وجدوا... ويمكن أن أدرج عشرات الأسماء التي انتقلت من وزارة إلى أخرى لسبب ليس له علاقة في أحيان كثيرة بالكفاءة.
قد يستفيد البعض الآن من الدفع، لكن الخشية أن يدفع البلد فاتورة قد تكون غالية.
يبدو أن مسار المقال تحول إلى قضية التمييز. قد يكون هذا سيئا، إذ ما علاقة التمييز بألا يحلم ابن البلد بأكثر من 150 دينارا؟
العدد 643 - الأربعاء 09 يونيو 2004م الموافق 20 ربيع الثاني 1425هـ