فجأة ومن دون مقدمات، استدعت بعض الأجهزة الأمنية في دمشق قادة عدد من الأحزاب الكردية في سورية، وطلبت منهم وقف أي نشاط لأحزابهم، بصفتها احزابا تعمل من دون ترخيص رسمي. وأوضح قادة الأجهزة الأمنية لقادة الأحزاب الذين استدعوهم، أن أي نشاط تقوم به احزابهم سيعرضهم للمسئولية، ونقل القادة الأكراد، عن قادة الأجهزة الأمنية، ان وقف نشاط الأحزاب الكردية في سورية، تم بالاستناد الى قرار اصدرته القيادة القُطرية لحزب البعث الحاكم، التي يعطيها القانون في سورية سلطة القرار.
وبطبيعة الحال، فإن هذا الإجراء يفتح الأبواب في سورية على صراعات بين السلطة والجماعات السياسية الكردية، وبدأت بوادر هذا الصراع في تصريحات أطلقها زعماء في الأحزاب الكردية، اعلنوا فيها رفض الاستجابة لقرار القيادة القطرية وعدم التزامهم بوقف نشاطات احزابهم، التي يبلغ عددها ثلاثة عشر حزبا، تمثل الأطياف السياسية للاكراد السوريين والذين يبلغ عددهم نحو مليون ونصف مليون نسمة، أو أكثر من مليوني نسمة بحسب التقديرات الكردية، تتركز غالبيتهم في شمال شرق سورية بالقرب من مثلث الحدود السورية مع تركيا والعراق.
ويفتح هذا التطور خطا جديدا من الصراع بين السلطة والأكراد، إذ يُدخل الأحزاب الكردية في صراع مباشر مع السلطات، وهو تطور يتجاوز ما حدث في مدينة القامشلي في مارس/ آذار الماضي، إذ حصلت صدامات بين الأكراد وأجهزة الأمن لعبت فيه الأحزاب الكردية دور التهدئة بالتعاون مع جماعات سياسية وأهلية سورية من أجل وقف تداعيات حوادث القامشلي وامتداداتها الى مناطق سورية اخرى، الأمر الذي أدى الى انفراجات في موضوع الأكراد السوريين وعلاقاتهم بالسلطات، إذ تم اطلاق مئات من الذين اوقفوا في خلال الحوادث، وجرى تداول معلومات عن قرب حل مشكلة الجنسية لأعداد كبيرة من الأكراد، وعقدت لقاءات لمسئولين في الأحزاب الكردية مع بعض المسئولين السوريين في السلطة السياسية وفي الأجهزة الأمنية. ثم توّج هذا الإنفراج بما احتواه حديث الرئيس بشار الأسد إلى قناة «الجزيرة» القَطَرية الشهر الماضي، من ان حوادث القامشلي لا روابط لها بالخارج، وأن الأكراد جزء من التكوين الوطني في سورية، وكان لهم دور ملموس في تاريخ البلاد. وكما هو واضح، فإن قرار القيادة القُطرية في وقف نشاط الأحزاب الكردية الذي يجد معارضة من جانب الأحزاب وغالبية الأكراد السوريين، وُوجه بالموقف ذاته من جانب جماعات حقوق الإنسان، وكذلك من هيئات المجتمع المدني وجماعات المعارضة السياسية، التي دأبت في السنوات الأربع الماضية على المطالبة بتوسيع الحريات العامة في البلاد ولاسيما حرية تشكيل الجماعات السياسية والأهلية، وحقها في النشاط المستقل. ويوجّه قرار القيادة القُطرية ضربة لهذه المطالب، التي تندرج في إطار المطالب الإصلاحية في سورية
العدد 643 - الأربعاء 09 يونيو 2004م الموافق 20 ربيع الثاني 1425هـ