العدد 643 - الأربعاء 09 يونيو 2004م الموافق 20 ربيع الثاني 1425هـ

تدويل الحرب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أسرعت دول مجلس الأمن في إصدار قرار جديد بشأن العراق. فالقرار اعتبر خطوة لعودة الاحتلال إلى الشرعية الدولية، ولكنه اعطى مساحة زمنية للقوات المحتلة لإعادة انتشارها. والفترة الزمنية طويلة بعض الشيء وهي عرضة للتقلبات السياسية لأن القرار لم يتوصل إلى وضع ضوابط تمنع الاحتلال من توسيع دائرة عدوانه أو استخدام الأراضي العراقية لتجديد الهجوم على دول الجوار.

أسرعت دول مجلس الأمن في إصدار قرارها الجديد، وكان بإمكانها أن تتوصل إلى صيغة أكثر وضوحا في تحديد بنود الاتفاق بشأن مستقبل العراق وخصوصا في مسألتي الأمن والانتخابات. فالتسلم والتسليم النهائي سيتم في يناير/ كانون الثاني 2006، ومدة 18 شهرا تكون كافية لإدارة البيت الأبيض (في حال التجديد للرئيس الحالي) في اثارة الفتن والاضطرابات وزعزعة الاستقرار في الدول المجاورة.

لاشك في أن هناك ضوابط نجحت الدول الكبرى في اضافتها على القرار الجديد، ولكنها اجمالا قليلة وليست كافية لضمان عدم تجديد العدوان وتكرار ما يشبه تجربة العراق في دول عربية أو مسلمة أخرى. فالفقرات التي تضمنها القرار تحد من إمكانات استكمال «الحروب الدائمة» أو «الضربات الاستباقية» ولكنها لا تمنعها. فالولايات المتحدة نجحت في ترك ثغرات تنفذ منها لتمرير مشروعاتها الخاصة التي أعلنت عنها مرارا، وهي كلها بعيدة كل البعد عن اكاذيب الإصلاح. تقول الإدارة الأميركية إنها رصدت 150 مليون دولار (يا بلاش) لإصلاح المنطقة بينما انتزعت من الكونغرس موافقته على موازنة 25 مليار دولار تضاف على اعتمادات سابقة لاستكمال مهمات الحرب في أفغانستان والعراق. 150 مليون دولار لدعم الإصلاح مقابل 25 مليارا للخراب والدمار ومع ذلك أسرعت دول مجلس الأمن إلى الموافقة على قرار لا يمنع الولايات المتحدة من استكمال برامجها الحربية ضد المنطقة في حال جدد لجورج بوش ولاية ثانية.

طبعا، ليس هناك من حاجة للسؤال عن كيفية انفاق مبلغ 150 مليون دولار على دعم الإصلاح. فهذه الأموال ستذهب مخصصاتها ورواتبها إلى جيوب الكثير من الكتاب والصحافيين والمؤسسات الإعلامية وبعض الهيئات والجمعيات الموثوقة، لترويج «الديمقراطية» الأميركية والدفاع عن «الدولة النموذجية» في العراق... اضافة إلى شتم الإسلام والمسلمين والدعوة إلى المصالحة مع «إسرائيل».

مبلغ 150 مليون دولار تافه في المقاييس الأميركية ولكنه موازنة كافية لشراء الذمم ونشر النفاق في منطقة تعاني من القمع والاضطهاد ونسبة العاطلين عن العمل فيها مرتفعة.

هناك إذا حملة من الاكاذيب ستتعرض لها المنطقة في القريب العاجل. وهذه الحملة (الترويج للديمقراطية الأميركية) ليست بعيدة عن البوارج الأميركية وقواعد الجيوش المنتشرة في طول بلاد الرافدين وعرضها. القرار الجديد هو بداية تدويل للحرب. فأميركا كانت بحاجة إلى الغطاء الدولي، وأوروبا نالت الاعتراف الأميركي بوجودها.

المعادلة إذا واضحة في خطوطها العامة: الولايات المتحدة دمرت العراق وأقدمت على تفكيك دولته، وهي الآن في صدد إعادة انتشار جيشها بعد أن نفذت المهمة بنجاح. والولايات المتحدة ليست بصدد مراجعة نقدية لملف العراق، بل هي تريد تسليمه لسلطة دولية تشرف على رعاية بلد محطم تحت رقابتها. والولايات المتحدة تخطط لمهمات جديدة (المزيد من التدمير) في الفترة المقبلة وهي تريد مغادرة مواقعها ضمن مهلة زمنية، وهي كافية لتمرير ما تبقى من مشروعها الكبير. فالمشروع إذا ليس إصلاح المنطقة، بل اسقاطها سياسيا ضمن عملية تفكيك طويلة المدى متبعة أسلوب الجزرة (150 مليون دولار) والعصا (25 مليارا)... والإعمار تتكفل به دول مجلس الأمن بأموال عربية - أوروبية - يابانية.

أسرعت دول مجلس الأمن في إصدار قرارها الجديد وكان بإمكانها تأجيله إلى ما بعد انتهاء أعمال قمة سي آيلاند (الدول الثماني) ولكن واشنطن مالت إلى الاسراع كسبا للوقت ولمنع حصول توتر في قمة تريد منها المصالحة (التسوية) مع الاتحاد الأوروبي من دون تقديم تنازلات جوهرية.

واشنطن تنازلت، ولكن خطواتها التراجعية كانت أقل بكثير مما توقعته أوروبا. فالقرار الدولي غامض وفقراته مفتوحة على احتمالات عدة، منها العودة مجددا إلى سياسة الحروب

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 643 - الأربعاء 09 يونيو 2004م الموافق 20 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً