قمة الدول الصناعية الكبرى (قمة الثماني) لم تدرج ما حدث في سجن «أبوغريب» العراقي، ولكنها ستتظلل بظلال «أبوغريب» التي تذكر المجتمعين في 8 يونيو/ حزيران بأن «الشرق الأوسط الكبير» شهد كل ما هو كبير في كل شيء.
الدفاع الوحيد لدى الجانب الأميركي هو أن ما حدث في «أبوغريب» غريب عن القيم الأميركية، وان من قام به ستتم محاسبته وهذا هو الفرق بين الدولة الديمقراطية والدولة الدكتاتورية. مهما كان الدفاع فإن ما تسرب للرأي العام العالمي (1800 صورة تعذيب) ستبقى خالدة في الذاكرة، وخصوصا أن القيم والاتفاقات الدولية تم سحقها على الأرض بعد مجازفات من المسئولين الأميركان. الحديث عن سياسة جديدة لإصلاح الشرق الأوسط يطرح أسئلة كثيرة مرتبطة بما حدث في أبوغريب.
لماذا قام وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد والمدعي العام جون اشكروفت بإعادة صوغ فهم جديد لاتفاق فيينا بخصوص معاملة الأسرى يسمح «بتليين المعتقلين»؟ لماذا قامت أميركا باعتقال أشخاص في أفغانستان ونقلهم إلى غوانتنامو مع نفي صفة الأسرى عنهم وتسليط الأجهزة السرية عليهم لانتزاع الاعترافات؟ لماذا تم نقل هذه الأساليب من غوانتنامو إلى أبوغريب؟ لماذا تم تخويل أفراد من الجيش القيام بأعمال التعذيب على النمط نفسه الذي تقوم به أجهزة أخرى في غوانتنامو؟ هل يكفي القول إن العسكريين الذين عذبوا العراقيين إنما هم مجموعة من المتهورين الذين تصرفوا بصورة شخصية وصوّروا أنفسهم وهم يقومون بهذه الأعمال الشنيعة؟
هذه الأسئلة مهمة جدا لأن أميركا تتحدث عن الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط، وهو حديث أصبح من دون صدقية بعدما حدث في أبوغريب. فالحكام العرب الذين تقول عنهم أميركا إنهم بحاجة إلى إصلاح، يضحكون بعدما حدث في أبوغريب وكأن لسان حالهم يقول لمواطنيهم «أميركا مثلنا تعذب المعتقلين في السجون كما نعذبكم»!
إصلاح الشرق الأوسط يحتاج أولا، إلى إصلاح ذاكرة أبوغريب، إن كان هناك ما يصلح الذاكرة. الشعب الأميركي يبدو منذهلا مما حدث في أبوغريب أكثر من الشعوب العربية. فالشعب الأميركي كان يسمع من مسئوليه بأن الحرب في العراق من أجل إزالة أسلحة الدمار الشامل ونشر الديمقراطية، ولكن الأميركان لم يروا الأسلحة، وكل ما رأوه هو تعذيب بأبشع الأساليب التي لا يمكن أن يقوم بها شخص لديه قيم. الشعوب العربية أقل اهتزازا من الشعب الأميركي لأنها تعودت على التعذيب وشبعت من الضرب في السجون على أيدي حكامها الخالدين ما خلدت حياتهم. ولكن الاحباط ازداد بعد أن شاهدوا كيف تداس كرامتهم على أيدي الجميع من دون استثناء.
إصلاح الشرق الأوسط يحتاج إلى إصلاح النفوس أولا، هذه النفوس المشحونة غضبا بسبب انعدام القيم في السياسات الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وبسبب الانحياز الكامل وغير العادل وغير المنطقي وغير الإنساني مع «إسرائيل» ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين.
إصلاح الشرق الأوسط يعني إصلاح الداعين للإصلاح وتذكيرهم بأن القوة لا تستبدل القيم، ولو كان كذلك لكانت القوى العظمى في الزمن القديم هي التي تحكم هذا اليوم.
القوة تختفي وتزول ولكن القيم تبقى وتدوم، والإصلاح من دون قيم ومن دون صدقية ما هو إلا استعمار واستحمار للشعوب الأقل قوة، وهو ما ترفضه الإنسانية، لأن الإنسان خلق حرا ولا يستقر إلا إذا كان حرا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 643 - الأربعاء 09 يونيو 2004م الموافق 20 ربيع الثاني 1425هـ