العدد 643 - الأربعاء 09 يونيو 2004م الموافق 20 ربيع الثاني 1425هـ

في غياب الشيراوي... تدشين أطلس المتنبي

المحرق - المحرر الثقافي 

تحديث: 12 مايو 2017

أكد السفير والشاعر السعودي غازي القصيبي أن الدافع الذي حدا بالراحل يوسف الشيراوي لتأليف كتاب أطلس المتنبي هو حبه الكبير لأبي الطيب المتنبي الذي حول العلاقة بينهما من مرحلة الاعجاب الى مرحلة البحث والتدقيق التي استغرقت منه قرابة العشر سنين حتى خرج كتابه الى النور. وقال القصيبي إن يوسف الشيراوي لم يكتب هذا الكتاب بلغة العالم ولا بأسلوب المؤرخ ولا بمنهجية الباحث وانما بطريقته الفريدة الخاصة التي تشعر قارئ الكتاب وكأن الشيراوي يحدثه وجها لوجه.

جاء ذلك خلال حفل الاستقبال الذي نظمه مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث بمناسبة اصداره لكتاب أطلس المتنبي ليوسف الشيراوي مساء الأحد الماضي 6 يونيو/ حزيران الجاري.

وتحدث السفير السعودي في ورقته عن العلاقة المزدوجة التي جمعت بينه وبين الشيراوي في حب المتنبي، متعرضا لبعض الأفكار والتوجهات الفكرية والحياتية التي صبغت حياة الشيراوي وأثرت فيها بفعل اهتمامه بالمتنبي. وقال عن بداية نشوء فكرة كتاب المتنبي في ذهن يوسف الشيراوي «ان يوسف الشيراوي كان يهتم اهتماما كبيرا بالوقائع الجغرافية التاريخية، وولعه هذا اقترن بشغفه بالمتنبي، ولا يعرف أحد كما أعرف أنا حجم العناء الذي لاقاه يوسف في وضع الكتاب، اذ كان التأليف عملا من أعمال الحب كما يقول التعبير الغربي، ولولا ذلك لما واصل يوسف مشواره الطويل. كان يوسف يحب أن يكتب ولكنه كان يجد صعوبة في الكتابة، وكثيرا ما قال لي: أنت تغرف من بحر وأنا أنحت من صخر، واذا كان يوسف تغلب على هذه الصعوبة في المقالات التي كان ينشرها بانتظام، فانه لم يتغلب عليها وهو يواجه تحديا أصعب في كتابة كتابه، وعندما تمكن بعد حين من كسر هذا الحاجز النفسي جاءت صعوبات جديدة لم تكن متوقعة فعدد لا يستهان به من المواقع التي زارها المتنبي لا توجد في المراجع المتداولة، ووضع خرائط تفصيلية لرحلات المتنبي عملية دقيقة تتطلب فوق الالمام النظري خبرة في التعامل الحميم مع الخرائط، خرائط اليوم والأمس، وبدأ يوسف صراعه مع الكتاب ولا أجد كلمة أفضل تعبر عما كان يحدث من ذكر استعانته بالأصدقاء لتزويده بمعلومات عن هذا الكتاب أو ذاك واستعانته بخبراء الطبوغرافيا لوضع الخرائط، ومع تقدم العمل كان يوسف يحذف ويضيف وفي مرحلة من المراحل أراد تحويل الكتاب الى سيرة شاملة كاملة للمتنبي ثم عدل عن هذا الرأي وفي مرحلة أخرى أراد للكتاب أن يضم مختارات من شعر المتنبي ثم عدل عن هذا الرأي ، وعبر مد وحزر عنيفين لا ينقطعان تبلور المشروع حتى خرج اليوم».

وأضاف متحدثا عن العشق الكبير الذي جمع بين الشيراوي والمتنبي «عندما كتبت بعد رحيل يوسف الشيراوي أنه كان يحفظ ألف بيت من شعر المتنبي، أثارت العبارة سحائب من استغراب، وسألني من سأل وكانت الاجابة جاهزة وكانت الاجابة صادقة، قلت إني سمعت بأذني يوسف يتلو قصائد كاملة للمتنبي من بيتها الأول الى بيتها الأخير، وعدد هذه القصائد لا يقل عن العشر، وقلت إنني سمعت بأذني يوسف يتلو مقاطع كاملة للمتنبي وعدد هذه المقاطع لا يقل عن العشرين، وبين القصائد والمقاطع سمعته يستشهد بعشرات الأبيات للمتنبي، وتصور أنه بعملية حسابية بسيطة وكل عمليات الحساب تستعصي علي، باستثناء البسيط منها ستنتهي بي الى محصلة نهائية لا تقل عن ألف بيت وقد تزيد».

وعن المزايا العقلية الكبيرة التي تمتع بها الشيراوي «ان يوسف كان يحب المتنبي حبا جما، وان غابت هذه الحقيقة عن كثير من الناس، فقد كان عقله عقلا منظما قادرا على الانتقاء والتصنيف والتبويب وكان في تعامله اليومي مع الأشخاص الكثير من الانتقائية والتصنيف والتبويب، لهذا أقول إن بوسعك أن تعيش حياة كاملة ثانية من دون أن يخطر ببالك أنه من أبطال الشطرنج، لهذا أقول إنه بوسعك أن تعيش حياة ثالثة كاملة من دون أن يخالج أفكارك أنك بازاء رجل يعرف الكثير عن الأفلاك والكواكب والنجوم، فلم أعرف علاقة يوسف بالمتنبي من أول يوم عرفت فيه يوسف، ولا من أول سنة ولا من أول عقد، ولم أكتشف حبه للمتنبي إلا بعد أن اكتشف هو أنني أشاركه هذا الحب».

ثم تحدث السفير عن تجربته الخاصة مع المتنبي والتي جمعته مع الشيراوي «عندما بدأت كتابة الشعر في فترة المراهقة، كانت الأمة العربية تمور بحوادث ثورية عنيفة، وجاءت أبيات المتنبي الثورية لتأسر خيالي، كما يقول التعبير الغربي، وأعجبت بهذه الأبيات وكنت أُكثر من ترديدها. في تلك الفترة لم أحفظ من أشعار المتنبي سوى أبياته الشاردة الدائرة على كل لسان. ومرت فترة المراهقة وهدأت الأمة العربية بعض الشيء، فوجدت نفسي بعد تفكير أعزف عن عالم المتنبي ووجدت نفسي بلا شعور أنفر من الشاعر الذي كنت أطرب له، ووجدت في ديوان المتنبي الكثير من الأنانية والكثير من سوء الظن والكثير من كره الناس والكثير من الطموح الأعمى، والقليل القليل من الحب والقليل القليل من التفاؤل والقليل القليل من التسامح، ولكن في منتصف الثلاثينات من العمر وبلا تفكير وبلا شعور وجدت نفسي أعود الى شعر المتنبي، أستمع اليه وأعجب وأطرب، ووجدتني أعود الى الشاعر الذي كان أول من كشف الستار من أمام عيني عن وجه الطبيعة البشرية، وهو وجه مرعب في كثير من تفاصيله، وما يهمني الآن هو أني عدت الى مملكة المتنبي ووجدت يوسف الشيراوي ينتظرني عند أسوارها ودخلنا معا ولم نخرج».

وعائدا بالحديث عن علاقة الشيراوي بالمتنبي أضاف «كان يوسف خلال فترة اغترابي مع المتنبي يعرف موقفي وكان يحترمه وكان يستغرب له ولا أستبعد أنه كان يتألم منه، اذ كان يوسف يحترم حق كل انسان في أن يكون له رأيه المستقل، وكان على وجه الخصوص يحترم رأي أصدقائه، في أن يعتنقوا رؤى وأفكارا تختلف عن رؤاه وأفكاره. وقد بدأ حب يوسف للمتنبي من أيام مراهقته اذ كان أبوه رحمه الله مثقفا كبيرا بمقاييس الزمان والمكان، وبدأ بتشجيع ابنه الموهوب على حفظ قصائد للمتنبي وتوثقت علاقته بالمتنبي في بيروت، إذ اكتشف أن شعبية المتنبي في الجامعة الأميركية في بيروت لا تقل عن شعبية المتنبي في مجلس والده في المحرق. وفي حياة يوسف حوادث عادية ولكنها ولأسباب مجهوله تترك آثارا عميقة بالغة العمق في حياته ومن هذه الحوادث واقعة بسيطة حدثت له، اذ كان أستاذ الأحياء في الجامعة يتحدث عن المريض والطبيب وكيف يفحص الطبيب مريضه واستشهد بأبيات المتنبي الشهيره في وصف الأسد، البيت الذي يقول فيه: يطأ الثرى متلفتا من تيهه - فكأنه آس يجس عليلا. وظلت هذه الحادثة على بساطتها في ذاكرة يوسف حتى آخر أيامه على الأرض. وقفزت علاقته بالمتنبي قفزة نوعية كما يقول التعبير الشائع إذ اقترن برفيقة عمره مي العريض وعن طريقها توثقت صلته بأبيها الشاعر الكبير والناقد الرائد ابراهيم العريض عاشق المتنبي الأكبر وتعلم يوسف من ابراهيم العريض الكثير عن المتنبي واخذ منه تحديدا قراءته الجريئة غير التقليدية لحياة المتنبي وأصله ونشأته وأهدافه الحقيقية»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً