العدد 643 - الأربعاء 09 يونيو 2004م الموافق 20 ربيع الثاني 1425هـ

غريمو عازفة البيانو في تحويطة الذئاب

باريس - باسكال فريري 

تحديث: 12 مايو 2017

كان العام 2003 غنيا بشكل خاص بالنسبة إلى هيلين غريمو التي بلغت الـ 33 من العمر. نشرت أخيرا يومياتها وسجلت أسطوانة جديدة. إنها عازف بيانو فرنسية ذات شهرة عالمية، رأت النقد في البداية يحتفي ببراعتها على إثر عزف مقطوعات راشمانينوف أو شومان قبل أن يتعرف الجمهور عليها من خلال عشقها للذئاب.

أهي فعلا غريبة الطباع هيلين غريمو؟! تتناول أحيانا طعامها وتمارس التمرينات داخل التحويطة التي تضم رهط الذئاب التي تهتم بها وتتمدد أيضا للحظة بينها. في يومياتها التي نشرتها أخيرا تحت عنوان «تحولات وحشية» تروي عازفة البيانو أنها مولعة بالبيانو وبالذئاب وأن هوايتها المضاعفة ضرورية لتوازنها.

الموسيقى في البداية، فقد قادتها موهبتها وحسمت مصيرها باكرا. دخلت المدرسة في الـ 8 من العمر في أكس أون بروفانس جنوب شرق فرنسا، وفي الـ 12 من عمرها قبلت هيلين غريمو في الكونسرفاتوار العالي للموسيقى في باريس، إذ كانت تعمل يومين في الأسبوع مع البروفيسور الشهير جاك روفيي. حازت في الـ 15 من العمر على أول جائزة عزف على البيانو، ثم سجلت سوناتا رقم 2 لراشمانينوف والتي حازت على اثرها على جائزة الأسطوانة الكبرى. شرّعت هذه الجوائز أمامها أبواب الحلقة الثالثة في الكونسرافاتوار المحجوزة عادة لأصحاب الجائزة الأولى. في الـ 18 من العمر وخلال عزف ليزت وشومان في باريس أثارت حماس النقد ومنحاها ذلك موقعها كعازفة من الدرجة الأولى.

منذ ذلك الوقت تتوالى الأسطوانات وحفلات العزف في أنحاء العالم. تعزف لبرامس، وغرشوين، ورافل، وبيتهوفن ودائما بالسيولة نفسها وبالطاقة الفائضة. تنجح كل مرة بتوليد شاعرية جديدة من هذه المقطوعات المعزوفة مرات ومرات. نذكر أن مهابة العازفة وموهبتها جعلت الكثير يحب الموسيقى الكلاسيكية مثل المغنية الفرنسية فرنسواز هاردي التي تعبر غالبا عن إعجابها بالفنانة. ضمت الأسطوانة الأخيرة لهيلين غريمو تحت عنوان «كريدو» التي سجلتها مع أوركسترا راديو السويد أعمالا لموسيقيين حديثين مثل: آرفو بارت، جون كوريليانو، وموسيقى لبيتهوفن وباخ. أرادت العازفة التي اختارت بنفسها مقاربة هذه الأعمال التركيز على فكرة التفلت داعية المستمع إلى «فقد الرغبة في رقابة الموقف مهما كان الثمن».

أما ولع هيلين غريمو الثاني فقد فرض نفسه وبالتأكيد ذاته. «نظرت إليّ فعبرتني قشعريرة» هكذا تصف العازفة لقاءها بالذئبة: ألاوا، خلال ليلة أرق في فلوريدا، إذ كانت تعيش آنذاك. عشق من النظرة الأولى ومتبادل، فالذئبة التي يصفها صاحبها بحيوان خائف يهرب من البشر، ألقت بخاصرتها لتلاطفها العازفة. عندها قرر صاحب الذئبة التخلي عنها لها. مذ ذاك لم يتوقف حب العازفة للذئاب. فهي تكرس لها وقتا طويلا في الولايات المتحدة إذ تعيش منذ العام 1991. واليوم تعيش مع صديقها المصور هنري فار، وتهتم بـ 16 ذئبا داخل «وولف كونسرفاتوار سنتر» الذي أسسته في سالم، في دولة ماساشوست محاولة تحسين الصورة السلبية عن الذئاب، ملتهمة الأولاد. يفتح المركز أبوابه لملايين الزوار كل عام للتعرف عليها. وتكتب هيلين غريمو في خلاصة يومياتها: «تحولات وحشية»: «هذا الحيز الأساس، هذا الجزء من الذات الذي يملك الكون».

اختارت العازفة في كتابها التنقل بين فقرات عن العزف وأخرى عن الحيوانات، حتى في عنوان الكتاب. لقد تمكنت الذئاب من مصالحتها مع البشر، بعد أن تمكن البيانو من توجيه طاقتها الهائلة التي برهنت عليها في شبابها. لا يمكن الفصل بين العشقين. «كانت الذئاب عندي وكانت الموسيقى. كانت موسيقى الذئاب تحت ضوء القمر وكانت في لعبتي كل الحيوانية التي تحفظ الفنان». تغمرها السعادة عندما تأتي في الليل لتتمرن في تحويطة الذئاب. إن الجمال الذي ينبثق من الفن أو من عالم الحيوان هو التجربة الواحدة نفسها التي تؤدي دور الوسيط لرؤية الأشياء كما هو. لاشك أن هناك عشقا أكثر غرابة من هذه العبادة للأشياء الجميلة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً