لا أحب أن أكون قاسيا في كتاباتي، ولكني أكره المبالغات في استعراض العضلات ومشكلتنا مع بعض النواب انهم أصبحوا - وخصوصا في ملف التقاعد عند بداية فتح الملف - كطرزان يقفزون عبر حبال التصاريح من صحيفة الى صحيفة، ومشكلة طرزان انه ما كان يمتلك الا تلك الخرقة المتواضعة على بدنه والتي كانت كثيرا ما تحرج المخرج.
ضميرنا السياسي يجب ان يكون حديديا ويجب الا يصدأ برغوة صابون العلاقات العامة لسعادة الوزير الفلاني أو العلاني. ويجب ان نعمل على تقوية هيبة البرلمان فإن دوره تصحيح الخطأ وتشجيع الصواب وليس مطلوبا منه أن يكون نديما مع الوزراء يسهر معهم ليلا ونهارا فيلقي عليهم القبلات. اذا اردناها ديمقراطية حقيقية يجب ان نفعل مواده وان نعدل تلك المواد الحريرية الوثيرة والتي تحول بعضها الى مخدة من ريش النعام ينام عليها الوزير حتى أثناء الاستجواب.
لا أشك في ان مطرقة الظهراني لعبت دورا، والسياسة الميكافيلية اتقنها بعض النواب أكثر من ميكافيلي نفسه.
الأغرب في الأمر عندما تجد ميكافيلي نفسه مصليا وعابدا يحمل في يده اليمنى مسبحة وفي الأخرى كتابه الشهير. لقد اصبح تغيير الموقف اسهل من شرب زجاجة كولا وكل ما طرحناه عبر الصحافة لم يعد ان يكون مجرد زوبعة في فنجان، ليس بالضرورة سببها البرلمان بقدر ما كان سببها النواب.
أنا أفهم الديمقراطية هي الرقابة، هي المحاسبة لذلك انتهجت اسلوب النقد البناء لدى الوزارات بلا استثناء وكل يوم نعمل على رفع سقف الصحافة، على رغم قانون تنظيم الصحافة الذي كان من ضمن مناقب وزارة الاعلام، والغريب ان قانون الصحافة كان حادا في انيابه لفترات طويلة فيوم من الأيام قُضم قميص صحافي هنا ويوم من الأيام قُضم دراع رئيس تحرير هناك.
هل تعلمون لماذا؟ لأن ذراعه ذراع ذهبية تقدر بـ 12 ألف دينار، لا عجب فلله في خلقه شئون ونحن جميعا مازلنا في حارة كل من ايده اله. النواب يقولون هذه المرة انهم مصرون على الدفع باتجاه مبدأ الذمة المالية وهنا اقول: تركتم المالية (أي الوزارة) ورحتم للذمة المالية، ليس هنالك مشكلة (راوونا عرض اكتافكم). أخاف نطلع بفشوش وليس كل مرة تسلم الجرة. الناس لا تريد كلاما صحافيا عسليا... التجنيس وصفق له، التقاعد وثبتت العدالة الكبرى... ماذا بقي؟ الناس تريد عملا ومواقف وصدقية لا فقاقيع اعلامية استهلاكية. «عضلات جنكيزخان» لا تنفع اذا كانت بالونية. أتمنى على القواعد الشعبية ان تعيد قراءتها لبعض النواب ممن سببوا للجميع الاحباط سنة 2006 وان تكون دقيقة، فخسارة ملف التقاعد لم تأت عبثا. صحيح ان البرلمان ضعيف ولكن حتى الصلاحيات الموجودة لم تستخدم. الوزير سيف لن يغلق في كل مرة وكذلك وزير الاعلام، فالقارورة التي انكسرت لوزير الإعلام أخيرا اثرت كثيرا وخصوصا بعد انصباب الذهب صبا من القارورة ولا نستطيع ان نقول إلا: «يا بلاش».
عودا على بدء، الهدف ليس النقد اللاذع وانما التصحيح فالديمقراطية بلا محاسبة تتحول الى جارية، ولماذا نجعل الدول الكبرى تفرض علينا املاءاتها... نحن بدأنا الاصلاح في البحرين قبل هبوب رياح الاصلاح الغربية ولا نريد اصلاحا أميركيا من الخارج. فهذا هو وطننا ووطنيتنا نأبى دخول الاغراب الينا. لقد وضعنا يدنا في يد جلالة الملك لاصلاح البيت من الداخل. فالتقاء إرادة جلالة الملك حفظه الله وإرادة الشعب في الاصلاح والتصليح تغنينا عن تدخلات الغرب وأميركا. لهذا فنحن نعمل على التصحيح وننتقد اي وزير يلبس ثوب نيرون الذي عمل على حرق عاصمته روما، اذ كان يستمتع بمشاهدة الحريق المروع وهو يغني ويعزف على قيتارته، لهذا نرفض الوزير اذا استغل نفوذه للاثراء السريع على حساب الناس، نهاجم الوزير صحافيا، وبرلمانيا ونقابيا اذا جير المشروعات العامة لاجل المشروعات الخاصة، الوزراء ليسوا مصنوعين من عجة الشوكلاتة حتى لا ينتقدوا. صحيح ان أسنان البرلمان لم تكتمل بعد لكن علينا ان نطالب بادخاله الى غرفة العمليات لتصحيح اسنانه حتى لو كان بعض الاطباء المشرفين من الصحافة والنقابات. لا احد فوق القانون، وعلى موظفي الوزارات ان يمتلكوا جرأة نقد الوزير بالطريقة الغربية ذاتها. فالوزراء في الغرب يخشون نقد الصحافة ونقد الناس. صحيح ان الوزير - كما يقول عادل حموده - يفقد نصف عقله عند دخوله الوزارة والنصف الآخر عند خروجه منها - طبعا ليس الجميع - ولكن هذا لا يعني ألا يحاسب. هذه هي الديمقراطية التي تقابلها الصورة الأخرى لمن حكموا بالظلم كالنازيين والفاشستيين. فالنازيون كانوا يستغلون بقايا الجثث في الكثير من الصناعات مثل صناعة الصابون، وبوكاسا كان يتحكم في مرفق الكهرباء ليرغم المواطنين على النوم مبكرا، فليس عنده هيئة استشارية ولا برلمان. والآن هناك تطور في الديمقراطية ولو نسبيا، في لبنان اكتشف ان وزير الزراعة سابقا كان يسرق بقر المواطنين، وازمة صندوق التأمينات في الكويت وضع لها حد قبل سنوات اثر فضيحة، وفي الجزائر مسئولون يبيعون لحم الحمير على الناس، واكتشاف قضاة يتعاملون مع تهريب المخدرات في دولة عربية أخرى، ولولا الصحافة لما تعززت الديمقراطية
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 642 - الثلثاء 08 يونيو 2004م الموافق 19 ربيع الثاني 1425هـ