بدأت قمة الدول الثماني أعمالها في سي آيلاند، ويرجح أن تناقش اليوم عملية السلام في «الشرق الأوسط» وأزمة احتلال العراق والإصلاحات في العالم العربي ومسألة حقوق الإنسان والإجراءات العملية لتحقيق ما يسمى بـ «الديمقراطية». يضاف إلى جدول الأعمال الكثير من القضايا التي تخص تجسير العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد مرورها بأزمة ثقة. ويرجح أن تعقد صفقات بين الجانبين تتعلق بتنازلات متبادلة لها صلة بثلاث قضايا وهي العراق وفلسطين وموضوع الشراكة العربية - الأوروبية. وحتى يتم التفاهم لابد من عقد اتفاقات تشمل كل النقاط الساخنة وتحديدا وضع خطة لدعم التغيير في المنطقة العربية والاساليب الواجب اتباعها لتحقيق الافكار المطروحة.
جدول الأعمال حاشد بالقضايا الساخنة وزعماء الدول الثماني يريدون اقناع العالم بأنهم سيتوصلون إلى انهاء مشكلات مرَّ عليها قرابة القرن في يوم واحد. والمخاوف في هذه المسألة (مسألة الوقت) ان تتحول قرارات الدول الثماني إلى مجرد أوراق للتوقيع ولا تعرف طريقها للتنفيذ مثلها مثل عشرات البيانات والاتفاقات التي صدرت عن جامعة الدول العربية طوال 60 عاما على تأسيسها.
الجدول طويل والوقت قصير والصيغ المطروحة مضحكة أحيانا في قلة معلوماتها أو معرفتها بأليات إنتاج السياسة في دول ممتدة من غرب الهند إلى شرق المغرب. والخوف أيضا هو أن تتحول القرارات إلى وسيلة تتذرع بها الدول الكبرى للتدخل في شئون المنطقة العربية وإدارة سياستها بطريقة تخدم «إسرائيل» لا الإصلاح وتصب في خانة تعزيز الدكتاتورية بدلا من مساعدة الناس على النهوض من كبوة أسهمت الدول الكبرى في انتاجها. فالمصائب العربية ليست كلها من إنتاج عربي خالص، والجزء الكبير منها هو من نتاج الغرب حين شاركت دوله في تصدير الكثير من تلك المشكلات بما فيها معدات تعذيب السجناء.
الغرب ليس بريئا والدول الكبرى ليست بعيدة عن الكوارث التي اصابت الإنسان العربي من محيطة إلى خليجه. والسؤال ماذا جرى حتى تغيرت الدول الثماني، وهل فعلا تغيرت، وما هي الاثباتات التي يمكن اقناع العالم بها؟
منذ مدة صدر عن بعض زعماء الدول الكبرى (بريطانيا وأميركا تحديدا) سلسلة تصريحات اعتذرت عن سياسات سابقة. وتركزت تلك الاعتذارات على موضوع دعم الدكتاتوريات والسكوت عن التجاوزات بحق الإنسان العربي وغيرها من تصريحات عامة وغير محددة لا في الزمان ولا في المكان.
زعماء بعض الدول الكبرى اعتبروا أن تلك الإعلانات المبوبة كافية للاعتذار ومسح الذكريات المؤلمة. وان القول يغطي الفعل في وقت لاتزال افعال دول تلك الزعامات مستمرة في تجاوزاتها. فالرئيس جورج بوش اعتذر مثلا أوعلى الأقل اعترف بدعم أميركا للدكتاتوريات العربية في وقت كانت قواته في العراق ترتكب الحماقات والتجاوزات ضد سجناء «أبوغريب». والمشكلة من يصدّق الإنسان العربي؟ كلام بوش ام صور السجناء في «أبوغريب». كذلك اعتذر أو اعترف رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير بوجود اخطاء تتعلق بالموضوع الفلسطيني بينما لم تتحرك حكومته للدفاع عن هدم منازل مئات من الفلسطينيين في الضفة والقطاع. والمشكلة أيضا من يصدّق الإنسان الفلسطيني كلام بلير ام افعال شارون في غزة مثلا؟
المسألة اذا تتحمل أكثر من وجه ومسلسل الاكاذيب لم يتوقف لحظة واحدة بالمشهد والصورة من أفغانستان إلى العراق وفلسطين. فهل تكون قمة سي آيلاند حفلة جديدة من الاكاذيب يراد منها شراء سكوت الاتحاد الأوروبي واسكات الإنسان المظلوم في المنطقة العربية بحقنة جديدة من المخدرات؟
هذا ليس مستبعدا، والدليل هو أن معظم قادة دول الغرب المسئولة عن مأساة الإنسان في المنطقة اعتذروا عن دعم الدكتاتورية وفي لمحة البصر رفعوا الحظر عن العقيد القذافي واستقبلوه واستقبلهم حين عرض عليهم تقديم ما يريدونه مقابل نسيان الماضي. والسؤال هل تغير بمثل هذه السرعة؟ وإذا الجواب نعم، فعن اي دكتاتورية يتحدثون اذا ومن هو المقصود بذلك المصطلح ومن هو صاحبه؟ فهل المقصود السياسة ام الأشخاص أم الأنظمة أم المصالح؟
مسألة الاعتذار عن دعم الدكتاتورية تبدو مغشوشة. واساس الغش (النفاق) إن أصحاب الدول الكبرى اعتبروا ان الكلام عن الديمقراطية يكفي لتجديد الثقة وسكتوا عن دعمهم الثابت لـ «إسرائيل». فالاعتذار حتى لو كان صادقا في مسألة الدكتاتورية ليس كافيا لأن المشكلة أساسا موصولة باعتذار آخر يتعلق بقضية الشعب الفلسطيني. وهذا لم يحصل. وإذا حصل، كان العكس وهو المزيد من الدعم لـ «إسرائيل»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 642 - الثلثاء 08 يونيو 2004م الموافق 19 ربيع الثاني 1425هـ