العدد 642 - الثلثاء 08 يونيو 2004م الموافق 19 ربيع الثاني 1425هـ

ماذا فعلنا للحفاظ على آثار عمرها 4 آلاف عام؟

وقفة صريحة مع الذات

عيسى أمين comments [at] alwasatnews.com

.

في البداية وقبل كل شيء أريد أن أؤكد ثوابت منطقية لا تدخل في حيز الجدل، فلقد تجاوزتها مسألة الحوار والبحث وأكدتها الحقيقة المدعمة بالشواهد على أرض الواقع فإن السؤال عن أهمية آثار مملكة البحرين، هذا السؤال الذي لم يكن مقبولا قبل نصف قرن أصبح ملحا الآن، فإننا وبعد خمسين عاما من الاكتشافات الأثرية أصبحنا ورثة سجل انساني يمتد إلى أكثر من أربعة آلاف عام اعطانا المنطق الذي نستطيع من خلاله ان نؤكد قدم المظاهر الانسانية على هذه الجزيرة وأصبح يطالبنا اليوم أكثر من أي وقت آخر بضرورة البحث والرصد والتسجيل للاكتشافات الهائلة بل المحافظة عليها، فلقد وصلنا وبعد نصف قرن الى حقيقة انتمائنا الى الحضارة الانسانية وعرفنا موقفنا فيها.

هذه الحقيقة لها دلالات مهمة اتمنى ان يدركها المسئولون عن آثار البحرين وتراثها الانساني، فلقد مضى نصف قرن وكل الابحاث المنشورة عن آثارنا هي من مصادر أجنبية أوروبية وشرقية، بينما لم نحاول ان نوجه الجهد المحلي الى توفير السبل التي من الممكن أن تعطينا اهتماما أكاديميا من خلال جامعاتنا بهذه الآثار، أو ان توجد مجموعة عمل أو مؤسسة أهلية تهتم بالآثار وتحافظ على المواقع الأثرية من خلال قانون نحن مطالبون اليوم بمراجعته ووضع الاسس الجديدة والكفيلة بالمشاركة الأهلية في مسألة الآثار.

فأثار البحرين ليست عهدة تنتقل من يد الى أخرى أو مسئولية مكتب يستطيع ان يحولها الى مكتب آخر متى شاء من دون دراسة الناتج السلبي، والآثار ليست للسياحة العابرة فهي إرث انساني وامتداد لتاريخ الانسان على هذه الجزيرة لا يستطيع احد ان يتصرف فيه من دون الرجوع الى أصحاب هذا الإرث وهم كل المقيمين على أرض هذه المملكة والممتدة جذورهم في تاريخها والذين لابد من دعوتهم للمشاركة في المشروعات الرسمية بل واستثارة المهتمين منهم بآثار وتاريخ البحرين.

لذلك ومن واقع الحال نجد ان الناتج السلبي قد اثر وعلى مدى اعوام عدة على آثار البحرين فهناك مسجد الخميس ومتحفه المزعوم والمعطل أكثر من عشر سنوات ومعبد باربار الذي تهدمت جدرانه وقضت العوامل البيئية على أساساته ومستوطنة سار النموذج الرائع للمدن التاريخية يحيط بها التراب من كل جانب ولا سبيل أو دليل يدل الباحث عنها وتلال المقابر التي تلاشت الغالبية العظمى منها وتركت البقية الباقية لمزاجية التملك التي تتلوها مباشرة اعمال الهدم العشوائية وأخيرا موقع قلعة البحرين والذي تعتبر آثاره سجلا كاملا لتاريخ البحرين الموثق في الشواهد الأثرية والتي تمتد الى أكثر من أربعة آلاف عام في شكل هرمي بداية من فترة حضارة دلمون والعصور السابقة للإسلام ثم الإسلامية والى الفترة الحديثة والتي تمثلها القلعة القائمة على قمة التل الأثري والمسمى بقلعة البحرين.

علاقاتنا مع الصين وفيتنام

في هذا الموقع ومنه عرفت البحرين أول اتصالاتها التجارية فالفخاريات والاختام لعملات وقطع الخزف تدل على اتصال هذه الجزيرة بحضارة وادي الرافدين والسند ومجان في عمان وعيلام في إيران، وتخبرنا القطع الخزفية والعملات عن مبادلات تجارية هائلة مع الصين وكمبوديا وفيتنام والبرتغال وهرمز والامبراطورية العثمانية فلقد كان موقع قلعة البحرين المرفأ التجاري والاقتصادي للبحرين ودائرة جماركها وسجلها الحضاري 3500 سنة الذي اثار اهتمام البعثات الأثرية من دنماركية وفرنسية وبريطانية حتى ان ما كتب عنه وما تم اكتشافه فيه اصبح من الممكن عرضه في صالات كبرى في المتاحف العالمية. نحن هنا نفتقر الى دليل أو توثيق لهذا الموقع يكون في متناول الزائر أو الانسان المهتم به وبالفترات التاريخية التي يغطيها.

لقد أثار هذا الموقع اهتمام الباحثين عن دلمون وعن تلك الفترة المفقودة والموقع المهم في خريطة الانسانية وكان اكتشاف الموقع هو في الحقيقة اكتشاف لآثار دول مجلس التعاون الخليجي كلها انطلاقا منه وارتباطا تاريخيا به، منه تفرعت المواقع واليه يعود الفضل في اكتشافات أثرية بالغة الأهمية في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر ودولة الكويت.

من هنا جاء اهتمام مؤسسة اليونسكو التي ارسلت الخبراء والباحثين لتأهيل الموقع من أجل ادراجه في سجل التراث الانساني، فماذا يعني لنا هذا القرار وكيف نترجم هذا الحدث من خلال دوائرنا الرسمية وكيف تتداخل هذه الترجمة مع مؤسسات المجتمع المدني والمهتمة بآثار وتاريخ البحرين في عهد الاصلاح والشفافية، وخصوصا اذا علمنا أن الاهتمام بآثار البحرين من قبل المؤسسات الأجنبية قد مضى عليه 125 عاما فلقد قام في أواخر القرن التاسع عشر الكابتن اس ال ديوراند من المكتب البريطاني في الهند في العام 1879 بفتح قبرين في منطقة عالي ثم كتب تقريرا نال اهتماما كبيرا في الاوساط العلمية خلال الفترة من 1906 إلى 1908 وكانت اول دراسة شاملة مبنية على هذا التقرير بدأت العام 1924 حينما تولى ارنت مكاي برعاية الجمعية المصرية للتنقيبات فتح عدد من القبور التي كتبت عنها تقارير موثقة تعتبر اساسا للدراسات اللاحقة حتى يومنا الحاضر.

وسبق هذا الاهتمام الأوروبي اهتمام عربي اسلامي تبدو ملامحه واضحة في كتابات ابن سعد وابن خرداذابة وابن قدامة والبلاذري واليعقوبي وابن روسته والطبري والمسعودي وابن حوقل والاصطخري وابن مسكويه وناصر خسرو قبادياني والبكري والبيروني والادريسي وابن المقرب وياقوت الحموي وابو الفداء وابن بطوطه والقلقشندي.

في العام 1954 التزمت منظمة اليونسكو بقانون المحافظة على التراث الانساني وليومنا هذا وافقت 102 دولة على هذا القانون وأبدت استعدادها للالتزام به، ويعني الالتزام هنا التعاون الكامل مع هذه المنظمة الانسانية ومن أجل الحفاظ على المواقع الأثرية ذات الاهمية للتراث الانساني وصيانة هذه المواقع وتحديد المناطق المحيطة بها وعدم التصرف او التغيير أو الإضافة او الحذف من دون الرجوع الى المنظمة للحصول على موافقتها.

ان هدف اليونسكو من هذا القانون هو اعطاء الشعوب الاحساس بتعددية مصادرها التراثية والشعور الرائع بالبعد الزمني لهذه المصادر والانطلاق منها الى آفاق المستقبل من ذاكرة الماضي.

مملكة البحرين تستحق ان تحتفل اذا بهذا الحدث الرائع، وان يكون هذا الحدث حديث الاعلام والندوات والمطبوعات واللقاءات العامة، بل ان من حق مملكة البحرين ان تدعو الى احتفالية اليوبيل الذهبي كل من ساهم وشارك وساعد في وضع هذه المملكة في مكانتها اللائقة من خريطة التراث الانساني وألا تدع هذه المناسبة تمر من دون تحقيق الهدف الرئيسي منها وهو التأكد المقنع لعراقة هذه المملكة وقدم تاريخها البشري وأهمية موقعها المتوسط بين الحضارات، وان نبدأ جميعا الآن العمل لهذه الاحتفالية المهمة، فالباقي من الوقت لا يسمح بالتأجيل

إقرأ أيضا لـ "عيسى أمين"

العدد 642 - الثلثاء 08 يونيو 2004م الموافق 19 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً