حين تقدم المدارس العلم والمعرفة فإنها بذلك تصنع التاريخ الذي تنسجه شخصيات كانت ذات يوم فوق مقاعد الدراسة كي تتسلح لمعركة الحياة بعلوم العصر وفنون البشرية. وكالأفراد وحركتهم المعروفة في الأزمان والعصور فإن للمدارس أيضا دورها فيما تصنعه - على رغم ثباتها الظاهري - في محيطها إذ تلعب دورا مؤثرا فيما وفيمن حولها ما يجعلها هي الأخرى صاحبة تاريخ لا ينفصل مطلقا عن تاريخ وحركة مجتمعها، وتقدمها تكنولوجيا وحضاريا ومعرفيا.
من هنا نحاول أن نسلط الضوء في هذه الأيام على موضوع قال عنه الباحث الاقتصادي حسين المهدي انه طرحه من قبل خمسة عشر عاما في الصحافة المحلية ليبعث أول جرس إنذار بشأن مخرجات التعليم الصناعي في المملكة، ومدى ملاءمتها لحاجة سوق العمل والتي طالما تغنى بها الكثير من المسئولين بأن الهدف الأساسي لحصول الطالب على شهادة الثانوية الصناعية هو إكساب المتعلمين فكريا وعلميا، وليتمكنوا من الانخراط في سلك الإنتاج والخدمات ومواجهة الحياة العلمية، مؤكدين ان المسار الصناعي واءم بين مخرجات التعليم الصناعية واحتياجات سوق العمل لتلبية الحاجات المتجددة للمشروعات الاستثمارية الصناعية والتنموية الاقتصادية، إلا ان واقع التعليم الصناعي الذي أبداه عدد من مدرسيه خلاف التصريحات الرسمية إذ وصفوه «بالمتخلف والسيئ» وهو أقسى من وصف الاقتصاديين الذين طالبوا بالتنسيق بين أطراف الإنتاج (العمال، وأصحاب العمال، والحكومة).
وقد أكد أحد مدرسي قسم الكهرباء - فضل عدم ذكر اسمه - ان «مخرجات الصناعي لا تتواكب مع حاجات سوق العمل في المملكة، من حيث المناهج المتخلفة والتي تشرح للطلبة تقنيات قديمة لا تستخدم الآن في المصانع»، واصفا المسار بأنه يعيش في زمن مختلف عما يعيشه ويحتاجه سوق العمل.
واتهم المدرس مدخلات قبل مخرجات المسار وكيفية التعامل معها، مشيرا إلى انها قائمة على أساس ان التعليم الصناعي هو لكل من لا يمكن انضمامهم إلى المسارات الأخرى (العلمي، الأدبي، التجاري) وهذا من شانه أن يضعف من مخرجاتها، كما انه (أي المسار الصناعي) يحتاج إلى اشتراطات جسمية وصحية غير متوافرة في الكثير من المنضمين إلى هذا المسار وهذه الاشتراطات غير موجودة.
وتطرق أيضا إلى تقسيمات المسار (الفني، والتطبيقي) قائلا إن «التطبيقي يزعم أنه يعد الطلبة بعد التخرج للانخراط في سوق العمل، إلا ان هذه المخرجات في الحقيقة غير قادرة على العمل بسبب تخلف المناهج والتجهيزات المستخدمة قياسا لما هو موجود في سوق العمل»، مشيرا أيضا إلى رفض المؤسسات التعليمية العليا قبولهم فيها ما يعني في النهاية انضمامهم إلى قائمة العاطلين عن العمل.
ورأى المدرس ضرورة توحيد مخرجات كل قسم في التعليم الصناعي، وإلغاء نظام التطبيقي والفني ليتحقق للجميع الحصول على فرص أكبر للالتحاق بالدراسات العليا، بالإضافة إلى تطوير المناهج ومواكبتها لتطور سوق العمل والتكنولوجيا الحديثة مع وجود موازنات كبيرة تعمل على استحداث التجهيزات في مختلف مدارس التعليم الصناعي، مشيرا إلى عدم وجود أي طالب تخرج من قسم الكهرباء وتوظف في تخصصه نفسه.
ومن جانبه طالب الباحث الاقتصادي حسين المهدي بتشكيل فريق عمل من مختلف الجهات وأطراف الإنتاج لدراسة أوضاع التعليم الصناعي، وذلك من أجل ملاءمة مخرجات التعليم والتدريب مع سوق العمل.
وقال المهدي إن «أصحاب الأعمال يشتكون دائما من ان المخرجات التعليمية وخصوصا الصناعية لا تمتلك الكفاءة والمهارة والانضباط والالتزام المطلوب»، مؤكدا وجود حلقة مفقودة أدت إلى وجود تزايد مستمر كل عام في أعداد الخريجين والباحثين عن العمل، مطالبا بإعطاء الفرصة لخريجي الصناعي لمواصلة دراساتهم وإكسابهم المهارات العلمية التي تعزز دروسهم التطبيقية.
ورأى عميد القبول والتسجيل في جامعة البحرين عيسى الخياط ان تقسيم التعليم الصناعي إلى قسمين فني وتطبيقي «ليس مجحفا»، وان سوق العمل تحتاج إلى عمال متدربين تدريبا جيدا يمكن الحصول عليهم من مخرجات التعليم الصناعي.
وأشار الخياط إلى ان بعض الطلبة يبدعون في المجالات التطبيقية والبعض الآخر لديهم مهارات عقلية وفنية، و«المملكة بحاجة إلى هاتين الفئتين وخصوصا التطبيقية لإحلالها محل العمالة الأجنبية».
وقال الخياط «من الضروري الاطلاع على تجارب الشركات الكبرى في المملكة وكذلك الخبرات الموجودة لتفاعلها مع مخرجات التعليم الصناعي، ليكون سوق العمل أحد مشجعي هذه المخرجات ومتبنيها لتدريبها وتأهيلها وخصوصا ان العمالة الأجنبية لا تأتي مدربة وإنما يتم تدريبها»، مؤكدا ان أية مؤسسة تعليمية لا يمكنها أن تخرّج كوادر مدربة ومؤهلة لتسلم مواقع العمل في الشركات والمؤسسات والمصانع».
وبخصوص قبول طلبة التعليم الصناعي في الجامعة قال الخياط: «إن التعليم الصناعي قسمان فالقسم الفني يمكنه الالتحاق بالجامعة كأي مسار آخر وفق الشروط المعروفة وهي ان يكون معدل الطالب 70 في المئة فما فوق، وبخصوص القسم التطبيقي فإن وزارة التربية والتعليم لا تؤهل خريجي هذا القسم لدخول الجامعة، وإنما يؤهلون مباشرة لسوق العمل، إلا انه بإمكان طلبة التطبيقي الالتحاق بالجامعة بعد أخذ بعض الفصول الفنية»
العدد 642 - الثلثاء 08 يونيو 2004م الموافق 19 ربيع الثاني 1425هـ