كما هي موضات الملابس القديمة تعود اليوم لتنتشر من جديد، تسترجع شاشات السينما أخيرا ذكرياتها مع الأفلام الغنائية التي كانت تستقطب الكثير من المشاهدين وخصوصا في دور السينما العربية قديما. فصوت عبدالحليم حافظ، وليلى مراد، وفريد الأطرش، الذين قدموا للسينما ما قدموه للطرب، شد المشاهد العربي في وقتها وأبهرهم بتلك الأصوات والاستعراضات، التي أوجدت قالبا مهما جدا في مسيرة الإبداع السينمائي العربي.
الفيلم الغنائي أو ما يفضل البعض تسميته بالسينما الغنائية أو الاستعراضية، نموذج عالمي راج على الشاشات بشكل كبير أواسط القرن الماضي، واستمر هذا النوع حتى وقتنا الحاضر، إلا أن تطور السينما والتقنيات التي يقدم من خلالها الفيلم نحتت هذا القالب السينمائي، وقللت من عدد الأعمال التي تقدم من خلاله بشكل كبير. وعلى رغم أن الكثير من الفنانين ممثلين ومطربين ممن أدوا أعمالا سينمائية غنائية، البعض منها كان ناجحا جدا وحقق انتشارا كبيرا وسجل له مكانا في ذاكرة السينما، مازالوا موجودين بشكل قوي على الساحة الفنية يقدمون أعمالا لشاشات السينما حول العالم، فإن هذا النوع من الأداء قل إن لم يندر في حصيلة أعمالهم.
من بين الأسماء العالمية التي قدمت أفلاما غنائية طوال السنوات الماضية ولم تكرر تجربتها بكثرة في هذا المجال، النجم الأميركي جون ترافولتا والممثلة الاسترالية نيكول كيدمان، في حين قدم المغني المصري عمرو دياب مجموعة من الأفلام الغنائية، ومجموعة من الأغاني في أعمال سينمائية، لاقى بعضها نجاحا جيدا، وفشل بعضها الآخر في تحقيق مبتغاه.
ولا يمكن القول إن المغني عمرو دياب وحيد في هذه التجربة، فكثير هم المطربون العرب الذين حاولوا دخول مجال السينما سواء من خلال أعمال سينمائية غنائية استعراضية، أو حتى من خلال تقديم أفلام سينمائية لا تصنف غنائية بقدر ما هي أعمال تمثيلية، من بينهم المطربة لطيفة، محمد فؤاد، محمد منير، هشام عباس، والمغني الشاب تامر حسني.
وعلى رغم أن هذا النوع من الإنتاج الفني لاقى رواجا كبيرا في فترة أفلام الأبيض والأسود، فإن هذا لم يشجع منتجي الأعمال السينمائية حاليا على الخوض بشكل أكبر في هذا المجال خلال السنوات الماضية، ولعل مسألة المردود المادي غير المضمون لهذه النوع من الأعمال من أبرز الأسباب، فالسينما الغنائية صعبت النجاح ما لم تراع متطلبات مجالي التمثيل والغناء، فتجمع بينهما في العمل بقدر ما تفصلهما عن بعضهما بعضا.
وفي هذه النقطة كانت الإشكالات في غالبية الأعمال، حيث إن التركيز كان في كثير منها على حضور النجم وبريق شهرته كمغنٍ، من دون مراعاة فطنة المشاهد العربي الذي بات صاحب خبرة يدقق في كل التفاصيل ويقيِّم العمل بطريقة أو بأخرى، وذلك لكثرة ما يعرض له من أعمال فنية متنوعة، فتضيع الحبكة السينمائية في زحمة رغبة المنتج والمطرب في استعراض النجومية، اللذين يريان أنها ستدفع المعجبين بالنجم - من الجيل الشاب خصوصا - لمشاهدة الفيلم.
كما أن الكثير من المغنين يعتقدون أن تأدية المشاهد التمثيلية في فيلم يشابه ويقارب ما يقومون به من أداء في (الفيديو كليبات الغنائية). وهذا ما جعل عددا كبيرا من الأفلام الغنائية تحقق شهرة لا تتعدى شهرة فيديو كليب متواضع لفنان مغمور.
بالإضافة إلى تواضع الموازنات التي تخصص للأفلام الغنائية، التي لا تلبي متطلبات إنتاج الاستعراضات التي تؤدى في هذه الأفلام، من دون أن ننسى الرأي الذي يقول إن بعض المغنين الذين سعوا للتمثيل الغنائي، لم يمتلكوا اللياقة البدنية اللازمة لتأدية استعراضات مبهرة تستقطب المشاهدين وتشدهم للعمل.
وإن كانت سوق الأفلام الغنائية كسدت خلال السنوات الماضية وقل نتاجها، فإن الأغاني التي تترافق مع بعض الأفلام حقق عدد كبير منها شهرة واسعة، مما جعل المنتجين يحرصون عليها في الأفلام باعتبارها عاملا ترويجيا للعمل، من دون أن تعطي هذه الأعمال الغنائية الطابع الغنائي الصرف لفيلم.
واليوم، وبعد أن عادت السينما الغنائية إلى الواجهة مرة أخرى، سواء من خلال أعمال عالمية أو عربية، فإن أهم الإشكالات التي تواجهها أن كثيرا ممن هم في الساحة الفنية يعتقدون أن المغني يستطيع التمثيل ببساطة، وأن الممثل إن تبهرج قليلا يستطيع أن يصدر ألبوما غنائيا ويصور بضعة فيديو كليبات، أو أن بعض الفنانين الشاملين متنوعي المواهب كالمغني الشعبي المصري شعبان عبدالرحيم يستطيع أن يترك له بصمة «فنية» في أكثر من مجال فني.
العدد 2367 - الجمعة 27 فبراير 2009م الموافق 02 ربيع الاول 1430هـ