العدد 641 - الإثنين 07 يونيو 2004م الموافق 18 ربيع الثاني 1425هـ

هل نستوعب الدرس من مخيمات اللاجئين؟

تأملات في النظريات الجامدة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في العام 1996 زار صحافيٌ عربيٌ السودان الشقيق لإجراء تحقيق لمجلته، وفي زيارته وصل إلى مخيمات اللاجئين الاريتريين شرق السودان، قبل سقوط امبراطور الحبشة الأحمر الرفيق منغستو هيلاميريام. وجدهم يعيشون في تجمّعات صغيرة لا يمكن حتى أن نسميها «مخيمات». خيام متفرقة بائسة، يبدو على سكانها الهزال والفاقة الشديدة، واستغرب المراسل حين علم أن هذه المخيمات هي أكثر المناطق في السودان كثافة بالسكان. ولمّا سأل عن السبب أجابه مرافقه السوداني قائلا: «ماذا تتوقع من زوجين يعيشان عاطلين عن العمل في خيمة واحدة، في ظروف معيشية صعبة، غير اللجوء إلى الجنس وما ينتج عنه من انجاب؟».

منطق أصحاب النظريات «المكيّفة» (نسبة إلى مكيّفات الهواء)، يقول ان من الواجب على الزوجين تنظيم الانجاب ماداما يعيشان ظروفا لا تتوافر فيها حتى المياه الصالحة للشرب. أما الحياة الواقعية فلها قانون ومنطق ومسارٌ آخر. فأنت لا يمكن أن تنظّر من وراء مكتبك للناس الذين لم تسمع بمآسيهم ولم ترهم يجرون وراء لقمة عيشهم فينتزعوها من بين أنياب الضواري بشقّ الأنفس ليطعموا بها أبناءهم الجياع الهزّل.

من بين هذه «التنظيرات» ذلك التناول «المسيّس» لموضوع يسميه البعض بالتفريخ العشوائي (تشبيها للمواطنين بالدجاج... ألا يذكّركم ذلك بنظرية القطعان؟)، فيما يسميه البعض الآخر الأكثر تأدبا بالانجاب العشوائي. وهي قضية تحتاج إلى وقفة تأملية لكيلا يختلط الحابل بالنابل، فطالما تداخلت فيها السياسة والخيال والمزايدات، فاختفت فيها الحقيقة.

كلنا نعرف ان البحرين أصغر بلد عربي، ومن الحقائق المعروفة وجود أعلى كثافة سكانية في العالم كله لدينا. وفي الوقت الذي يفترض ألا يزيد عدد البشر في الكيلومتر المربع على خمسين نسمة، نرى الرقم قد تجاوز 1500 نسمة في البحرين، وبالتحديد 1962. احسبوها بأنفسكم لتعرفوا القنبلة السكانية التي تنذر بالانفجار في وجوه الجميع. إذا كان الحال كذلك، كيف يمتد كرمنا إلى تجنيس أعداد كبيرة من الوافدين، وفي فترة قياسية جدا، وخصوصا إذا لم يسعوا إلى الحصول على شرف الجنسية البحرينية؟

ألم يكن من الأوفق والأصلح البحث عن حلول لمشكلاتنا العالقة أولا من إسكان وتعليم وصحة و... و...، فإذا فاض الخير أغدقناه على الآخرين؟ وإذا كان على المواطن انتظار بيت الإسكان عشر سنين على الأقل، فكيف يمكن أن نوفر مساكن لآلاف الضيوف الوافدين؟ وإذا كانت خريجات اللغة العربية من العام 1996 و1997 على سبيل المثال، قد حلت مشكلات توظيفهن قبل ثلاثة أشهر فقط، فما بال خريجات وخريجي الأقسام الاخرى والسنوات الأخرى؟ بل ما هي الحلول التي وضعناها للخريجين والخريجات، لكي لا تطحنهم رحى البطالة بسنواتها العجاف التي تغتال الروح وتنهك الجسد؟

ثم ان الانجاب عملية طبيعية، ينبغي تركها للزوجين، وعدم الإفتاء فيها من كلّ من هبّ ودب. لا المقالات الصحافية ستغيّرها، ولا محاضرات الجمعيات النسائية الحالمة، ولا سياسات الضغط الاقتصادي ستقلل منها. بل على العكس، عندما لا يجد الرجل عملا يقتات منه، ويبقى أسير بيته، فلا مجال لتصريف طاقته غير الانجاب.

الإشكال الأكبر في التناول السابق، هو الاعتماد على «تصورات» مسبقة، موروثة منذ أزمان بعيدة، حتى أصبحت مثل الأفكار الماركسية الجامدة. أحد الأجانب كان يناقشني عن تعدد الزوجات، معتقدا أن كل مسلم لديه أربع زوجات، وان لم يكن فزوجتان أو ثلاث، ولم يصدق نفسه حين قلت له: «تعال معي إلى منطقتي واحكم بنفسك، سأدخلك بيوت الجيران وترى أن تسعة من كل عشرة ليس لديهم غير زوجة واحدة».

أمنيتي أن يدرك هؤلاء أن الانجاب، هذه العملية المعقدة، تعتمد على عوامل منها، مستوى الوعي والثقافة والرفاهية الاجتماعية، فالفتاة البحرينية اختلفت كثيرا عن أمها، فلم تعد اليوم تفكر في أكثر من ثلاثة أطفال، والأسر الغنية أو الميسورة أقل ابناء، وخريجة الجامعة أقل اطفالا من خريجة الثانوية والاعدادية، وإذا كنا عاجزين عن فهم مجتمعنا، فعلينا أن نقرأ علم الاجتماع الحديث لكيلا نخرج بتلك التأويلات «المسيّسة».

إن موضوع الانجاب تحوّل إلى نوعٍ من الأساطير السياسية، فينبغي إعادته إلى حجمه الطبيعي أولا، بعيدا عن «التسييس» ودعاوى «القصد والنية المبيتة» لزيادة الانجاب واستخدامها كورقة ضغط في «المفاوضات السياسية»، ولا أدري متى كانت المفاوضات تحكم اللعبة السياسية في بلادنا؟ في زمن «أمن الدولة» أم في زمن التهديد بغلق الجمعيات السياسية ومراكز حقوق الانسان؟ لكنها «شنشنةٌ أعرفها من أخزم»!

هذه التهويلات يجب أن ننحيها جانبا إذا أردنا الخير لوطننا، وخصوصا اننا نعيش في بلدٍ يعتمد على العمالة الأجنبية في إدارة الجزء الأكبر من مشروعات تنميته، فيما يعاني 30 ألف مواطن من البطالة، سيرتفع الرقم إلى 100 ألف عمّا قليل. وبدل الاعتراف بقصور سياستنا التعليمية نوجّه فوهات بنادقنا نحو صدور بعض مواطنينا لنجبرهم على تقليل الانجاب

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 641 - الإثنين 07 يونيو 2004م الموافق 18 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً