العدد 640 - الأحد 06 يونيو 2004م الموافق 17 ربيع الثاني 1425هـ

الهروب العظيم والمآتم الجديدة

«اشتروا لكم أجفانا من البلاستيك»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في معالجة مشكلة التجنيس، برز طريقان للهروب من المشكلة: الطريق الاول هو التنظير من وراء المكاتب وإطلاق الأماني، فكأنك تشاهد برنامج «أماني وأغاني» الشهير بركاكته وابتذاله. والطريق الآخر هو سكب الدموع وتنظيم المآتم للبكاء على الطائفة المظلومة القادمة المضطهدة حتى قبل وصولها إلى البلاد!

السبيل الأول رأيناه في تلك «المرافعات» وكان محاولة للقفز على المشكلة بدلا من مناقشة أسبابها، على اعتبار ان التشخيص هو أول العلاج. قد نختلف في العلاج، وقد لا نمتلك علاجا لهذه الورطة أصلا، ولكن لابد من التسليم بوجود المرض أولا، وخصوصا في ظلّ إصرارٍ متعمد على عدم وجود مشكلة! وهي محاولة ليست غريبة على من يتكلم عن الموضوع في الصحافة ليخاطب الرأي العام ثم يعتبر نفسه «من غير المسيّسين»! دعوى لا تقوم على أساس. ومثلها محاولة الهروب من مناقشة ما ستؤول إليه الأمور بعد عشر سنوات من الآن، عندما نجد أنفسنا جميعا أمام 100 ألف عاطل عن العمل من أبناء البلد، بحسب الاحصاءات الرسمية التي اعتمدتها الدراسة العلمية الفاجعة التي صدمتنا بذلك الرقم المرعب، وهي بالتأكيد لم تأخذ في الحسبان ما أضافه التجنيس من أرقام ومستجدات وأعباء تنوء بالعصبة أولي القوة.

عندما طرحنا تخوفاتنا على المستقبل، وحذّرنا من تبعات هذه السياسة غير الشعبية، كان الرد «غير المسيّس» الهروب إلى العام 1934. وفيما طرحنا قضايا الوطن، كان الطرح المقابل «سنة وشيعة»، وأكثرية وأقلية، و«نحن وأنتم»، من دون قراءة تستوعب أبعاد المشكلة وتبعاتها. كأننا نلهو نلعب: «إذا رجعتم إلى العام 2002 فسنرجع إلى العام 1934»! مناقشة قضايا الوطن وأزماته ليست لعب أطفال. كأنها مناكفةٌ وليُّ أذرع.

وبينما يفترض أن يتركز النقاش على تبعات هذه السياسة وتداعياتها على الجميع، نرى النكوص سبعين عاما إلى الوراء... فهكذا يكون الهروب العظيم! ولتعلموا انه لن تكون هناك طائفة غالبة وأخرى مغلوبة، وانما سيكون الوطن هو الضحية النازفة.

القضية التي حاول البعض تشويهها بإلباسها لباسا طائفيا هي أبعد ما تكون عن ذلك، وانما هي همٌ وطنيٌ كبير، بدليل أنه في يوم التصويت على الميثاق، كان هناك من رفع لافتة في المحرق تقول «التصويت بشرط إيقاف التجنيس». وبعد أن تحدثت عن الموضوع الأسبوع الماضي كانت المكالمات التي وصلتني من المحرق ومن بعض رجالاتها، أضعاف ما وصلتني من مناطق أخرى. هذه المكالمات كانت تبدأ من السابعة صباحا، ولا تتوقف حتى الحادية عشرة ليلا. فالخطر يستشعره الجميع، وهو ما لا يحتاج إلى ذكاء خارق، بل مجرد عبور بالسيارة على الأسواق الشعبية في المحرق أو المنامة أو مدينة حمد أو جدحفص، ففيها تجدون الجواب.

وإذا كانت مناقشة قضايانا المهمة عن طريق الهروب سبعين عاما إلى الوراء، وبالخوض في معمعة السياسة مع التبرّي من «التسييس» فهذه أكبر عملية خداع نمارسها على الجمهور.

نصب المآتم

الطريقة الأخرى هي المآتم التي نصبها طرف آخر لهذا الشعب، ونحن من أكثر شعوب الأرض بكاء ورقّة قلب ولكن المشكلات والأزمات القادمة لن تحل عن طريق التباكي وسحّ دموع التماسيح، ولا نحتاج إلى من يعلّمنا دروسا في القومية والانسانية وينصّب نفسه المهاتما غاندي لشعب البحرين. هذه المآقي التي لم تهطل منها دمعة واحدة في الماضي على ضحايا قوانين «أمن الدولة»، حين بلغ عدد المعتقلين 3 آلاف مواطن، انما كانت تتبنى لهجة «تصعيدية» و«تحريضية» للضرب بيد من حديد على أيدي أبناء البلد المطالبين بالحقوق والحريات، التي يتنعم بها هؤلاء الكتاب «المخضرمون» الآن، حتى تجرأوا على وصف الفترة السابقة بالحقبة السوداء!

هؤلاء المخضرمون اليوم يتباكون ويكثرون من سحّ الدموع على الطائفة الجديدة، ويذكّروننا مرة برجلٍ قطعت يده، وبآخر زوّج ابنته في البحرين وليس الهند، وستخرج لك الأرض الكثير من خبئها «الإنساني»، حتى ديكنز الذي أبكى البريطانيين خمسين عاما على فظائعهم، سيسبقه هؤلاء، لما يطرحونه على شعب البحرين العنصري من جرائم يرتكبها في حق القادمين من شتى الأمصار. ولن تتوقف أقلامهم لحظة بعد اليوم عن إقامة المآتم ونصب سرادق العزاء، فابحثوا لكم عن أجفان بلاستيكية عندما تتآكل أجفانكم من البكاء

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 640 - الأحد 06 يونيو 2004م الموافق 17 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً