العدد 640 - الأحد 06 يونيو 2004م الموافق 17 ربيع الثاني 1425هـ

ريغان والريغانية (1)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

توفي الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان عن عمر 93 سنة بعد مرض أصابه بالخرف قبل عشر سنوات. فريغان محظوظ حتى في خرفه. وقيل إنه لو ترشح للرئاسة مرة ثالثة وهو على تلك الحال لفاز بأكبر عدد من أصوات الناخبين. فريغان الراحل جمع في شخصه سلسلة تناقضات أبرزها أنه أغبى رئيس عرفته الولايات المتحدة في تاريخها وأنه الرئيس الأكثر شعبية في تاريخها. فهو الشخص الغبي - المحبوب. وقيل أيضا إن السبب الأول (الغباء) جلب له السبب الثاني (الحظ وبالتالي الشعبية).

عرف عن الرئيس الراحل أنه شخص فاشل وغير موهوب، ولكن الظروف خدمته وجعلته أكثر الناس حظا فهو «الرئيس المحبوب». وأساس حب الناس له هو أنه استسلم منذ البداية للأذكياء وتحديدا ذاك الصنف من الأذكياء المرتبط بالأجهزة والمؤسسات. فهو منذ دخوله سوق العمل اكتشف نفسه فحاول من دون مكابرة الالتزام بما يقوله له الكبار وتنفيذ رغباتهم وصولا إلى الوشاية ورفع التقارير إلى الأجهزة التي أخلص لها.

ريغان شخص فاشل وغير موهوب، ولكنه نجح في عمله لأنه ارتبط منذ احترافه العمل السينمائي بنهج المؤسسة الرسمية وتحول إلى ممثل يقوم بوظيفة الواشي على أصحابه ويرفع التقارير عنهم فأسهم في قطع رزق الكثير منهم. وحين ظهرت المكارثية (حركة تطهير ضد الرافضين للسياسة الأميركية) تحول ريغان مع مجموعة من الممثلين إلى أدوات لمحاربة كل الأذكياء والموهوبين في هوليوود. وأقدم بمعونة الأجهزة (المخابرات الداخلية) على طرد أهم رجال السينما آنذاك من هوليوود ومنعت أفلامهم أو قطعت أرزاقهم بتهم مختلفة، على رأسها عدم الولاء للنموذج الأميركي.

بعد المكارثية صعد نجم ريغان ليس في حقل السينما (فهو رجل فاشل وغير موهوب) وإنما في حقل السياسة. فهو أصبح الرمز الذي تحترمه المؤسسات وتقربه الأجهزة ليأخذ مكانه الريادي تعويضا عن سمعة سيئة نالها بسبب أساليبه الرخيصة في تغطية تقصيره المهني.

وهكذا كان. ففي الوقت الذي كانت «المكارثية» تخبو وتعتذر إدارات البيت الأبيض عن تلك الفترة المظلمة في التاريخ الأميركي، كان نجم ريغان يصعد من الفن إلى السياسة ومن هوليوود إلى حاكم ولاية كاليفورنيا.

ورويدا استردت عاصمة السينما أنفاسها. فرفع الحظر عن أفلام الأذكياء وسمح للممثلين والمخرجين والمنتجين بمواصلة حياتهم العادية. بينما قطع ريغان علاقاته بهوليوود وبدأ يشق طريقه الخاص (الاستسلام للأجهزة والمؤسسات) في عالم السياسة. وعن طريق هؤلاء استقر المقام بريغان في البيت الأبيض.

انتخب ريغان وفاز ضد أذكى الرؤساء الأميركيين أو على الأقل من أكثر رؤساء الولايات المتحدة تعلما (جيمي كارتر). وبمجرد سقوط كارتر وفوز ريغان اكتشف العارفون بالسياسة الأميركية أن هناك خطأ ما حصل في الولايات المتحدة... أو أن هناك قوى خفية تحرك خيوط السياسة وجدت في ريغان شخصها المفضل. فريغان لا يعرف شيئا في السياسة وهو لا يناقش ولا يمانع بل يترك القرار للأجهزة، ودوره فقط الموافقة على ما تتوافق عليه مؤسسة القرار. بينما كارتر من الأذكياء فهو يقرأ ويتابع ويعطي رأيه في السياسة الداخلية والاستراتيجية الأميركية، وبالتالي فإن هيئة المستشارين التي تديرها الأجهزة والمؤسسات لا ترتاح لمثل هذا النوع من الرؤساء.

سقوط كارتر ونجاح ريغان كان خطوة أولى في بداية أميركية جديدة. فبعد هذا التغيير (الانقلاب في المزاج الشعبي) لن تعود واشنطن كما كانت. فعصر ريغان (ثماني سنوات في الحكم) اتسم بالتطرف الأيديولوجي والخطب النارية والسلوك المتوتر في العلاقات الدولية. فهذا الرئيس الغبي - المحبوب سيثير زوابع سياسية في توتير الصراع مع الاتحاد السوفياتي وفي إطلاق موجة يمينية دولية (المحافظين الجدد) بالتحالف والتعاون الثنائي مع زعيمة بريطانيا آنذاك مارغريت ثاتشر.

ثاتشر تختلف شخصيتها عن ريغان فهي ذكية وغير محبوبة (المرأة الحديد)، ولكنها تتمتع بوجهه نظر واضحة في قراءة السياسة وفي رؤيتها للاقتصاد المعاصر. ولأنها تملك ما لا يملكه ريغان وضع الأخير ثقته بها ورمى بثقل أميركا وراء السيدة «الحديد» لتقود قطار تيار المحافظين الجدد ضد الاتحاد السوفياتي.

وهذا موضوع آخر

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 640 - الأحد 06 يونيو 2004م الموافق 17 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً