غداة الحرب العالمية الثانية، أنشأت فرنسا المركز الوطني للفن السينمائي (CNC) ووضعت أسس هذا القطاع الذي كان في طور نموه. منذ أكثر من نصف قرن، تتابع هذه المؤسسة تطور صناعة السينما وتمنح فرنسا إمكان إنشاء وتطوير وتوزيع عدد من المشروعات السمعية المرئية التي لا يمكن لها أن تبصر النور في مكان آخر.
غداة الحرب العالمية الثانية، وفي حين كان هذا القطاع يلملم ذيوله، وتظهر تهديدات الأحادية الثقافية، لم تقر الاتفاقات الأولية لخطة ماريشال التي وقعتها فرنسا والولايات المتحدة الأميركية في السنة نفسها، بخصوصية الموضوع الثقافي. بدت السينما انتاجا مستوردا عاديا هدد صناعة السينما الفرنسية، فقام عدد من محترفي الفن السينمائي بالتفكير بالأنظمة التي يمكن وضعها لإزالة الصعوبات أمامها. وعلى اثر ذلك تم في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 1946 إنشاء مؤسسة كلفت بمساعدة وبتنظيم هذا القطاع سمّيت: المركز الوطني لصناعة السينما. وضعت تحت إشراف وزارة الثقافة منذ العام 1959، لكن تمتع المركز باستقلالية مالية وبشخصية قانونية منحتاه وسائل دعم الإبداع الفني ورعاية التنوع السينمائي. غير أن التوزيع الدولي المتزايد للأفلام وطابع الربح غير الثابت وظهور التلفزة والفيديو وأقراص دي. في. دي أثرت في تضعضع صناعة السمعيات المرئيات.
يشرف اليوم على هذا المركز مديره العام دافيد كيسلر الذي عيّن في مجلس الوزراء، ويتألف من ستة أقسام لكل منها مهماته المحددة. وهو مكلف بحماية التراث السينمائي وبالسهر على مختلف فروع السمعيات المرئيات. عرف التكيف مع تطورات هذا القطاع من دون التخلي عن مهماته الرئيسية، أي مساعدة السينما بالأموال، وتنظيم المهنة وشروط الممارسة فيها، وتسهيل رؤية الأفلام في تنوعها والدفاع عن توزيعها، والتعريف بها بواسطة تظاهرات ثقافية وتراثية.
وضعت المساعدات الكثيرة التي يمنحها هذا المركز بشكل مؤسساتي، ويعتبر حساب الدعم لصناعة السينما والسمعيات المرئيات «أداة التدخل الأساسية لحساب الإبداع السينمائي»، بحسب تصريح مديره دافيد كيسلر. يراقب المركز عائدات الأفلام ويستعيد نسبة مئوية من كل بطاقة تباع، من ثم يعاد توزيع العائدات بشكل عادل بين مختلف الأقسام من الإنتاج وحتى التوزيع مرورا بالعروض في الصالات. كما تمنح مساعدات تمويلية انتقائية بواسطة اللجان المتخصصة.
تعتبر السلفة المدفوعة على العائدات والتي وضعت العام 1959 من أقدم المساعدات، وهي عبارة عن قرض من دون فائدة تمنح لمشروع ينتقى انطلاقا من السيناريو. خلال عرض الفيلم في الصالة تتم استعادة القرض في العام 2002، تمت مساعدة 69 فيلما طويلا من بينها 42 كأول فيلم، كما منحت مساعدات انتقائية كثيرة على مدى السنوات بالطريقة نفسها لدعم أفلام تنشيطية وأفلام قصيرة ووثائقية وكتابات وسيناريوهات. تقدم هذه المساعدات على مراحل ترافق إنجاز المشروع، وهناك مساعدات للتوزيع وللعروض تمنح لبعض الأفلام المعينة.
العام 1985، منحت الحكومة لمساعدة الانتاج السمعي المرئي الفرنسي فوائد ضريبية جمة للأفراد الذين يستثمرون في قطاع السينما. توجد مؤسسة مالية معتمدة تجمع الأموال ضمن إطار «شركات تمويل السينما والسمعيات المرئيات» (SOFICA). تجمد هذه المبالغ لمدة خمس سنوات ويلزم أن تنجز الأفلام التي تساعد بها بنسخة أصلية فرنسية، وتعتبر شركات التمويل حينئذٍ مشاركة في إنتاج المشروعات.
يشجع المركز الوطني للسينما سياسة التحالف والشركات الأوروبية والدولية ويدافع مع نظرائه عن تبني موقف مشترك لصالح شرعية مساعدات الدول للسينما وللسمعيات المرئيات، ويفكرون جميعهم أيضا بتدابير وقائية توضع لمكافحة أعمال القرصنة.
إذا كانت فرنسا ظلت البلد الذي يوزع أكثر الأفلام الأجنبية وكان الكثير من المشاهدين يفضلون النسخة الأصلية المترجمة على المدبلجة، فهذا بفضل المساعدات المالية التي يقدمها المركز الوطني للسينما ووزارة الخارجية عبر صناديق هي: صندوق الجنوب للسينما، مساعدة الأفلام باللغة الأجنبية، ومساعدة الإخراج الدولي المشترك. تتجه هذه المساعدات بشكل أساسي نحو البلدان النامية وتسمح لفنانين من ذوي الوسائل النادرة بالوجود عبر فنهم. صرح دافيد كيسلر العام 2003 في مقاله: «لا تستفيد البلدان النامية فقط من التعاون بين الشمال والجنوب، فهذا التعاون يقدم إلى البلدان المتطورة ثروة فنية كبيرة عبر أفلام بلدان الجنوب»، وتسهم هذه الثروة بجعل فرنسا من بين الأمم العاشقة للسينما
العدد 639 - السبت 05 يونيو 2004م الموافق 16 ربيع الثاني 1425هـ