العدد 639 - السبت 05 يونيو 2004م الموافق 16 ربيع الثاني 1425هـ

كيف تروج السينما الأميركية لحروبها؟

ربما شاهدتم الأفلام الأميركية الدعائية خلال الحرب العالمية الثانية والتي رفعت من شأن الجهود الحربية وامتدحت الجنود الأقوياء وشجعت الشباب على الانضمام للحرب في صفوف الشجعان. ربما نبتسم عندما نرى كل هذه الصور ويتبادر الى أذهاننا بأن هذه الأيام قد مضت وأن زمن الحروب قد ولى الا أن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى اليوم.

في أواخر العام 2001، أنتجت السينما الأميركية فيلما وثائقيا قصيرا مدته ثلاث دقائق لعرض المجهود الحربي الأميركي في أفغانستان. أخرج الفيلم الذي عرض مشاهد وطنية للحظات أسطورية من الذخيرة الفنية السينمائية الأميركيةِ من قِبل تشوك وورك مان وأنتج من قبل مايكل رودز. لقد لعب الكثير من أبرز ممثلي هوليوود أدوارا بطولية في أفلام كان هدفها الرئيسي رفع الحماسة الأميركية، من ضمن هؤلاء الممثلين تشارلي شابلن وتوم كروز وبين آفليك.

ولكن ما هو الهدف بالتحديدا من عرض هذه النوعية من الأفلام؟ قد يبدو للمشاهد أن مشاهدة هذه النوعية من الأفلام غير مزعجة إلا أنها قد تثير أحاسيسه وتجعله يذرف الدموع وتأخذه الحماسة القتالية. ففي الوقت الذي عرض فيه الفيلم كان الجيش الأميركي وحلفاؤه الموالون يمطرون صحراء أفغانستان بالقنابل والمنتجات الكيماوية للبحث عن بن لادن وكان القضاء على العدو شغلهم الشاغل متناسين بذلك المدنيين الأبرياء العزل.

ومنذ بضع سَنَوات أصابنا الرعب والهلع بسبب ازدياد المجموعاتِ اليمينيةِ المتطرّفةِ بميولِهم النازية الجديدةِ، وخصوصا في أوروبا وفي الولايات المتّحدةِ أيضا إذ ينجذب الكثير من الشباب إلى الانضمام إلى اتجاه معين أو حركة تاريخية معينة ليَقتبس مِنْ تاريخِها العَنيف المرعب. إن فكرة مطاردة المجموعات النازية أو أي شيء يرمز إلى النازية هي فكرة تكررت في الكثير من الأفلام التي تذكرنا بتلك الفترة المخزية فلا يمكن لأي أحد أن يتصور بأن هذا الرعب والمذابح الجماعية التي ارتكبها النازيون قد تتكرر من جديد.

والسينما الأميركية تعج بالكثير من هذا النوع من الأفلام التي تعود بنا خمسين سنة الى الوراء مثل فيلم Black Hawk Downlk اخراج ريدلي سكوت والذي حظي بنجاح هائل وفيلم Amen من اخراج كوستا غرافيس والكثير من الأفلام الأخرى.

إلا أن احد الصحافيين الفرنسيين ذكر في بدايات العام 2002 بأنه يمتلك الدليل القاطع على أن فيلم Black Hawk Down أنتج على طلب من وزارة الدفاع الأميركية. الفيلم يعيد القصة الملحمية لبعثة الجنود الأميركين إلى الصومال أثناء التسعيناتِ لإعادة النظامِ في هذه البلادِ التي اجتاحتها الفوضى والمفاهيم ا لمعادية للأميركان بشكل مثالي. وعلى رغم أن الدليل لم يكشف بشكل واضح بقي الفيلم موضع الكثير من الأسئلة.

لقد دمرت سنوات الحرب الأهلية في الصومال البلاد والنتيجة وجود أكثر مِنْ 300,000 مِنْ ضحايا نقص الغذاءِ والكثير من الضحايا غير المعدودين مِنْ المدنيين الذين قتلوا أثناء النِزاع المُسَلَّحِ، ولكن منذ إنزال قوات التحالف الى الصومال لحل النزاع فإننا لم نعد نسمع أية أخبار وكل ما نعرفه هو أن قوات التحالف الأميركية سيطرت على الوضع وأخمدت النزاع لكننا بالنسبة إلى الحقائق المتعلقة بإحصاء القتلى لم تعط أية أعداد رسمية محددة عن عدد القتلى الصوماليين أبدا. الشيء الوحيد الذي يستطيع المشاهد تذكره هو صورة الجندي الاميركي القتيل وهو يسحب في شوارع مقديشو عاصمة الصومال والموت المؤثر لثمانية عشر جنديا من جنود بلاد العم سام أما بالنسبة إلى الدمار الذي حصل في الواقع فان فيلم ريدلي سكوت لايخدمنا كثيرا من هذه الناحية.

في العام 2002، جاءَ المخرج كوستا غريفاس بفيلم Amen الذي أثارَ الكثير من النقّادَ إذ شَجبَ تجاهل الكنيسةِ الكاثوليكيةِ والدبلوماسيين الغربيينِ جريمة المحرقةِ اليهوديةِ على رغم علمهم بها. وتدور حوادث الفيلم عن كاهن إيطالي يَشْعرُ بالغضب للممارسات الإجرامية النازية في مخيمات الاعتقال ويُحاولُ الوصول الى البابا ليعلمه بهذه الجرائم لكنه يموت نتيجة جرأته وشجاعته في كشف الحقيقة ويأتي ضابط ألماني ساخط على جرائم الألمان ليصبح بطل القصة، ويحصل اليهود مرة أخرى على عطفِنا. كذلك يعتبر فيلم گ State of Siege من أهم أفلام غريفاس. الفيلم شجب دكتاتوريات المستعمرين في اليونان في فترة الستينات وانتقد الامبيريالية الأميركية والتمييز العنصري والنظام الفاشي.

يعتقد البعض بأن الرجوع للماضي أو المستقبل هو الطريقة المثلى لنسيان هموم الوقت الحاضر. حسنا! دعونا نتذكر الماضي وننسى واقعنا الحالي، هل يعتبر ذلك مجديا؟ وهل من حقنا أن نسأل هذا السؤال أصلا؟ إن الدعاية الضخمة التي تروجها هوليوود لأفلام تحرف الواقع وتمجد شجاعة وعظمة أميركا في حروبها المدمرة ضد الشعوب المستضعفة كفيلة بأن تجيب على سؤالنا

العدد 639 - السبت 05 يونيو 2004م الموافق 16 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً